كلما تأملت وراجعت سياسة دول مجلس التعاون الخليجي تجاه لبنان، وطرق التعامل معه أصبت بالتعجب، وربما الصدمة، وأيضاً كلما قارنت كل ما مررت به من تجارب التعامل بين الدول من خلال العمل الصحافي السياسي وقراءاتي والخبرات التي تكونت نتيجة لذلك مع ممارسات الخليجيين مع لبنان سقطت لدي كل أدوات القياس والاستنتاج.

Ad

فلبنان – كما أعتقد- منذ سنوات في شبه حالة حرب مع دول الخليج، وهنا لا أريد أن أدخل في لعبة التهرب من المسؤوليات التي تفصل بين لبنان الرسمي ولبنان الميليشيات والطوائف.

في الواقع لبنان وفقاً للمجتمع والقانون الدوليين دولة مستقلة ذات سيادة، مسؤول عن كل ما يقع على كامل ترابه من أعمال تؤثر على أراضيه وإقليمه، وأستغرب بشدة استسلام دول الخليج لما تروجه واشنطن وبعض الغربيين عن تجزئة المشهد اللبناني إلى رسمي أي الدولة ومؤسساتها، وغير رسمي ممثل بالميليشيا التابعة لحزب الله رغم أن لغير الرسمي اليد الطولى في إدارة شؤون الدولة.

وأستغرب أيضاً ترويجهم لما يسمى بـضرورة "الحفاظ على أمن واستقرار لبنان" حتى لو تسببوا في حرائق من حولهم، وأتساءل ومثلي كثيرون: هل نعي في الخليج الآن سبب ذلك وسبب رفع حزب الله اللبناني – الحاكم الفعلي-  من قائمة الإرهاب؟ والإجابة متوفرة لأي محدود الاطلاع وبسيط القدرة على التحليل، وهي أن لذلك الحزب وكل لبنان واقتصاده الذي يوفر له ولجمهوره بيئة الإمداد المثالية والمناسبة، دوراً واضحاً في سورية والبحرين والعراق واليمن وفي المساومات على الملف النووي الإيراني والصفقات بين واشنطن ولندن من طرف وطهران وحلفائها في الطرف الآخر.

السكين اللبناني وصل الآن إلى العظم الخليجي، فشهداؤنا الأعزاء السعوديون على حدود نجران وجيزان، وتتداول معلومات عن أن خبراء من حزب الله اللبناني في مجال الصواريخ القصيرة والكاتيوشا والحرب في الجبال يدعمون الحوثيين في هذا المجال، وبعض قياديي عمليات الشغب والتخريب في البحرين اتصالاتهم ممتدة من الضاحية الجنوبية في بيروت إلى المنامة، أما جرائم الحزب في سورية فإنها تحتاج إلى عشرات المحاكم على غرار "نورمبرغ" لإحصائها مستقبلاً  ومحاكمة مرتكبيها.

والساحة اللبنانية اليوم تضم على الأقل أربع قنوات فضائية تلفزيونية ممولة من طهران بخلاف عشرات المطبوعات في حالة شبه تعبئة إعلامية عسكرية ضد المملكة السعودية والدول الخليجية، وتحرض الشعوب الخليجية عامة وأصحاب المذهب الجعفري خاصة ضد دولهم وأنظمتها، وطبعاً  على رأسهم الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله وخطاباته والتلويح بأصابعه، والتهديد والوعيد المستمر لدول المنطقة تحت سقف وضمن خيمة الدولة اللبنانية.

بالطبع سيكرر البعض الكلام عن سُنة لبنان ومسيحيي 14 آذار وتيار المستقبل كأصل ومكون مهم للعرب في لبنان تجاه المد الإيراني، ولكن هذا الأصل اللبناني العزيز يجب أن يقدم تضحيات لاسترجاع سيادة بلده، والسني والمسيحي والشيعي اللبناني المعتدل ليسوا أغلى ولا أسمى من المدني والجندي السعودي والبحريني والسوري التي تتسبب أطراف لبنانية في قتلهم، فلا يمكن أن نحافظ على رفاهية حياة اللبناني في الروشة وجونية والأشرفية، في حين يذبح غيره في حلب ونجران بسبب جار اللبناني في الضاحية!

لذا فإنني أرتجي كما يرتجي الكثيرون من ملك الحزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وأشقائه قادة دول مجلس التعاون الخليجي أن يراجعوا كل سياساتهم تجاه لبنان حتى يتحمل كل الشعب اللبناني مسؤولياته تجاه مكون منه يدمر أمته ويشارك في مشروع إيراني يذبح العالم العربي ويمزقه، عبر مراجعة مستوى التمثيل الدبلوماسي والتعاون الاقتصادي مع لبنان، ورغم اعتزازنا بابن الشهيد رفيق الحريري السيد سعد ورفاقه فإنهم ليسوا أغلى من أمتهم ودماء أبنائنا الخليجيين والعرب التي تهدر أنهاراً بسبب فئة في بلدهم.