فجر يوم جديد: {شيء من الخوف} مع {الأبنودي} !
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
بالطبع كان للموسيقار بليغ حمدي دخل كبير في نجاح الأغاني التي كتبها الأبنودي، بإيقاعاته الساحرة، وتوظيفه العذب للآلات الموسيقية. لكن اللافت، وهو ما نتوقف عنده في هذه السطور، أن التجربة لم تكن مسبوقة في السينما العربية، نظراً إلى أن الشاعر لم يكتف بنظم كلمات تعبر عن المواقف الدرامية للفيلم، أو تترجم مشاعر الشخصيات فحسب. فإضافة إلى الحوار الذي شارك في كتابته وأضفى عليه الكثير من روحه الصعيدية، ومعرفته الدقيقة باللهجة التي لم تكن دخيلة كما هي العادة، نجح في تمرير رسالة، عبر المقدمة التي تزامنت والعناوين، تكاد تلخص مغزى الفيلم، وتؤكد أنه استوعب القصة بكل مفرداتها، وتوجهاتها. بل يمكن القول إن الأغاني لم تملأ الفراغ الدرامي، كما اعتدنا، وإنما جاءت لتكمل الرؤية الفنية، وتمثل عنصراً رئيساً لا يقل أهمية عن التمثيل والتصوير، كما فعل في البداية: {البلد اسمها الدهاشنة... والمكان ما حدش قال لنا... يمكن ما كنتش أبداً... يمكن في كل مكان.. أمتى؟ ما حدش قال لنا.. يمكن ما حصلش أبداً.. يمكن في كل زمان.. الدهاشنة ضل مرمي ع الغيطان.. تلاقيه ع الدروب وع البيوت.. الدهاشنة ضل زرع الأرض غل العارف طريقه يمشي فيه يضل.. الدهاشنة ضل مطرح ما يحل يملا الدنيا خوف.. خوف {، وقبل ظهور الطاغية {عتريس} (محمود مرسي) يُشير إليه بصوت جماعي مزلزل: {أهو... بالضحكة دي بالخلقة دي بالبصة دي... مالي الدهاشنة خوف}!ومثلما تتسلل دقات طبول بليغ حمدي لتُنذرنا بالخطر المُحدق بالجميع، يغني الكورال {يا عيني على الولد} ثم يتبعها بـ {البنت من الدهاشنة} لنرى كيف تُنتهك البراءة، وتتم صناعة {الديكتاتور} مع الإبقاء على الأمل في الجيل الجديد، وتحل الأغنية مكان الحوار، قبل أن نتوصل إلى ما اصطلح على تسميته {الحوار المغنى}. وفي تجربة هي الأولى من نوعها يقوم المخرج حسين كمال بقطع الأغنية ثم يعود لاستكمالها، ثم يوظف الكلمات مع الوتريات والإيقاع، وكأنه يُعلن حالة {الاستنفار الدرامي}، كما في المشهد الذي أعقب وفاة الجد، وتحولت كلمات الأبنودي خلاله إلى ما يُشبه {التعليق الدرامي}، ومشهد رصد التحول في شخصية {عتريس}، الذي {كبر وشب وماعدش يغوى السواقي} وورث الديكتاتورية {القهر طايح بسيفه زي الرياح في الرمال... وفي الناس بيحكم بكيفه ويشدها بالحبال}، وهي المشاهد التي اكتفى فيها بصوت الكورال الرجالي، الذي يوحي بالقوة والعنف والتسلط، بينما لجأ في المشاهد التي اختلى فيها {عتريس} إلى نفسه وتذكر حجم الجرم الذي ارتكبه في حق نفسه وحبيبته {فؤادة}، إلى الاستعانة بأصوات النسوة، وكأنهن يولولن، بينما صوت {شادية} يرافقهن من بعيد.بالطبع يعود الفضل في إبداع تلك السيمفونية الرائعة المسماة {شيء من الخوف} إلى {المايسترو} حسين كمال، الذي تألق بصورة لم تتكرر طوال مسيرته الفنية. لكن الأبنودي وضع بصمته الخالدة، التي تشهد عليها الآهات المتباينة للكورال الرجال، من الإذعان إلى المقاومة، وكأنها تُحفز {فؤادة} إلى فتح «الهويس»، وهو ما فعلته بالضبط، وهنا مكمن أهمية، وإثارة، تجربة الأبنودي في {شيء من الخوف}، فالأغنية تؤدي دوراً تحريضياً، تنويرياً وتثويرياً لأ أظن أنها أدته في أي فيلم من أفلام السينما المصرية.