الميليشيات العراقية تتدخل بالسياسة لمعاودة رسم حصتها في المعادلة
يوماً بعد آخر، تخرج الفصائل الشيعية المقربة من طهران عن دورها العسكري وإسنادها للجيش في الحرب ضد «داعش»، وتنخرط أكثر في السياسة، بنحو يثير القلق لا عند الطوائف الأخرى فحسب، بل بين الطبقة السياسية الشيعية نفسها.ولم يعد سراً أن بغداد تشهد صراع نفوذ هو الأقوى من نوعه بين الشخصيات الحزبية التقليدية، التي كانت تنشط سياسياً منذ عقود في الحركات المعارضة لصدام حسين، وبين شخصيات لا خبرة سياسية لديها، بل تلقت تدريبات عسكرية في فترات مختلفة، ووجدت نفسها أقل نفوذاً مما كان ينبغي، وتحاول اليوم استغلال الحرب مع «داعش» لـ«تصحيح المعادلة» بين «المجاهدين» و«الحزبيين».
ويعود هذا الصراع إلى أيام المعارضة التي نشطت في سورية وإيران ضد صدام حسين، حيث كان هناك انقسام واضح بين شباب من الطبقات الدنيا يؤمنون بالكفاح المسلح، وسياسيين ينحدرون من عوائل معروفة في الغالب، يمارسون التفاوض ويقومون باتصالات إقليمية ودولية، للعمل ضد النظام السابق. وفشل الشباب المسلحون في إسقاط صدام حسين بالسلاح، بينما نجح الساسة في العمل مع واشنطن وحلفاء آخرين، في مسار انتهى بالقضاء على دولة البعث.وحين تم تقاسم الحصص السياسية، رجحت كفة الساسة على «المجاهدين» في الحكومات الخمس التي شكلت منذ 2003. واستغلت طهران هذا الصراع مراراً، لكن الحرب على «داعش» تمثل البيئة المثالية التي لا تتكرر، للمضي بهذا الصراع إلى نهايته، وعبر وسائل كثيرة يتعمد قادة الفصائل المسلحة اليوم إثبات أنهم شركاء في الدولة، بينما يضطر رئيس الحكومة حيدر العبادي إلى الصمت، في هذه الفترة على الأقل، لأن كل الظروف تميل إلى صالح من يحمل السلاح وتدعمه طهران.وعلى سبيل المثال، لم يكن ممكناً أن تشهد بغداد ما شهدته في قضية مقتل عزت الدوري، نائب صدام حسين. ورغم أنه لم يتم التحقق رسمياً من الجثة المزعومة، فإن ملابسات الموضوع كشفت ضعف الدولة المتنامي أمام الميليشيات. فقد ظهر إعلان ملتبس عن حصول اشتباك مطلع الأسبوع مع مسلحين شمال تكريت، وأن بين القتلى عزت الدوري. وقيل إن الجثة وصلت بغداد للتحقق منها عبر فحص الحمض النووي، لكن الحكومة اعترفت أنها لم تتسلم الجثة، التي بقيت عدة أيام بحوزة فصيل «كتائب حزب الله» الذي تبنى العملية، وراح يجري بنفسه فحوصات «دي إن اي» على الجثة، بل يدعي العثور على هاتف جوال بحوزة الدوري فيه أدلة على أنه كان يتواصل مع ساسة سنة بارزين في بغداد، لطالما اعتبرتهم الميليشيات «خونة» وصداميين، في إطار الصراع الطائفي.ولم تتسلم الحكومة جثة الدوري إلا الاثنين الماضي، في استعراض مهيب لقوة الميليشيات التي حرصت على حضور وسائل الإعلام لمراسم التسليم.وحسب مطلعين فإن الرمزية العالية لهذا الحدث تعني أن «المجاهدين» يريدون إعادة تقاسم النفوذ مع الساسة، وهو صراع لن يحسم بسهولة طالما أرادت طهران أن تستخدمه وتلعب على تناقضاته، حفظاً لنفوذها وخططها، التي تتعرض لانتقادات قوية من قبل معتدلي الشيعة المدعومين من مرجعية النجف.