فاليري تريولر تنتقم من هولاند بـ شكراً لهذه اللحظة! (3-3)

نشر في 12-09-2014 | 00:02
آخر تحديث 12-09-2014 | 00:02
في كتابها {الرغبة في كشف الحقيقة} تؤكد فاليري تريولر، السيدة الفرنسية الأولى السابقة، عشيقة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند: {كلّ ما كتبته صحيح. داخل الإليزيه، كنت أشعر أنني أقوم بريبورتاج، وكنت أخاف دائماً من القيام بأي خطأ في أداء دوري}. وفيه تروي يومياتها في القصر الرئاسي الإليزيه إلى جانب الرئيس قبل انفصالها عنه.
{الجريدة} اختارت مقتطفات من الكتاب وترجمتها. هنا الحلقة الأخيرة.
في يوم الخميس الحالك ذاك، الذي هجرني فيه فرانسوا، ما كنت قادرة على التركيز على سطرين من أي كتاب. فقد صببت اهتمامي كله، رغماً عني، على نهاية علاقتنا كثنائي. طمأنني الرئيس ألا داعي للقلق، وأنني سأحصل بالتأكيد على عروض مهنية تسمح لي بالانطلاق مجدداً في الحياة.

بعدما تطرقنا إلى المسائل المالية، طرح النقاط التي كانت تشغل باله. أراد أن أتخلى عن فكرة تأليف كتاب، التي راودتني قبل أيام وأطلعته عليها. لكني ما كنت لأقبل بالتخلي عن أي أمر يتعلق {بحياتي من بعده}. كذلك أصرّ أن نعلن {انفصالنا} في بيان مشترك، إلا أني رفضت. لا أريد انفصالاً مماثلاً. فلا شيء مشتركاً فيه. لكنه فرض هذه المسألة علي فرضاً. كانت نبرته هادئة وباردة. فبدا لي كل شيء حزيناً.

قبل أن يرحل، طلبت منه إعادة المفتاح.

- تخرجني من حياتك. لم يعد هذا منزلك، أريد المفتاح. أرغب في أن أحضر إلى هنا مَن أشاء ساعة أشاء.

كنت أدرك أنه يكره هذه الجملة. صحيح أنه يخونني منذ سنة، غير أنه لا يتحمل فكرة أنني أستطيع عيش حياتي. هذه حال الرجال. لذلك قاوم.

- سأطلب من أحد أن يعيده إليك.

- كلا، أريده الآن.

نادى مسؤول الأمن الذي يحمل المفاتيح. خرج ليكلمه في الردهة ثم عاد. كان على فرانسوا النزول إلى الطابق السفلي حيت تنتظره السيارة. ولأن المبنى محاط بتدابير أمنية مشددة ولا يستطيع أحد بلوغ موقف السيارات من دون وضع المفتاح في المصعد، قررت مرافقته كي لا أفترق عن المفتاح للحظة. وهكذا دخلنا المصعد لنهبط ستة طوابق أنا وفرانسوا وحامل الكرواسان، ذلك الشرطي الذي شهره المصور المتطفل في شارع «سيرك». فرحت أنظر مباشرة إلى عينيه.

ألم تحضر معك الكرواسان اليوم؟ أهكذا تحافظ على عملك كشرطي؟ لا أفهم لمَ لا تزال هنا حتى؟

راح الشرطي ينظر إلى حذائه من دون أن يجيب بحرف. فاغرورقت عيناه. ولم ينبث فرانسوا ببنت شفة.

سارعتُ بالعودة إلى مسكني في لا لانترن. كان من المقرر أن أظل في فيرساي حتى يوم السبت، عشية رحيلي إلى الهند. فكنت أعمل مع منظمة {العمل ضد الجوع} منذ بضعة أشهر. لكني قبلتُ بتقصير جزء من الرحلة التي كان من المفترض أن تقودنا إلى ماديا براديش، وتحويله إلى بضع ساعات من المطار على طرقات خطرة تسودها الفوضى، لأنني ما كنت واثقة من أنني أستطيع تحمل وقع هذه الرحلة الجسدي.

منذ أيام، كان الجميع يحاولون إقناعي بالعدول عن هذه الرحلة، وعلى رأسهم الرئيس. فلم يرد فرانسوا أن أقوم بها. لم يكن يأبه بصحتي البتة، بل كان يعتبر أنني لم أعد السيدة الأولى. ولكن هل كان يعتبرني كذلك منذ البداية؟ فما يهمه حقاً هو صمتي.

كان علي يوم السبت أن ألتقي فرانسوا في ساعة متأخرة من بعد الظهر كي ننسق معاً البيان المشترك. أمضى ثلاثة من أصدقائي الليل برفقتي في منزلي. فأفرغت أغراضي، جمعت ملابسي الصيفية التي كنت قد تركتها في منزل {لا لانترن}، فضلاً عن كتبي وبعض الأغراض الشخصية. فساعدني أصدقائي. وبعدما تناولنا وجبة سريعة، حان وقت الرحيل. أردت أن أودع الحارسين جوزيان وإريك:

- أردت أن أخبركما أن هذه المرة الأخيرة التي نلتقي فيها.

فاعتقدا أني أمازحهما واعترضا. فأجبتهما وصوتي يتهدج:

- سننفصل أنا والرئيس وسيعلن الخبر هذا المساء.

عبرا لي بدورهما عن عواطفهما، فحضناني وراحا يسمعاني عبارات العزاء. فبكيت معهما. ولن أنسى مطلقاً تلك اللحظة. ماذا شعرت وأنا أدخل حديقة الإليزيه عبر بوابة ماريني؟ اعتدت دخول القصر عبر هذا المدخل الجانبي، لا عبر المدخل الرئيس. لم أسمح لنفسي يوماً باستخدام المدخل الرئيس. نتيجة لذلك، شعرت دوماً في أعماقي أنني لست في مكاني الشرعي. رغم ذلك، عشت في هذا القصر عشرين شهراً مع الرئيس الذي شاطرته حياته رسمياً.

يوم السبت الواقع فيه 25 يناير، كان قلبي ينعصر. فقد حلت النهاية. مع وصولي إلى الشقة الخاصة، بدأت أجمع الملابس التي أحتاج إليها في رحلتي إلى الهند. ثم أبلغت فرانسوا بواسطة رسالة نصية أنني حضرت. وها نحن نلتقي مجدداً في جو ثقيل، وقد جلس كل منا في مكانه المعتاد في غرفة الجلوس. فراح يصرّ على البيان المشترك، ورفضت مجدداً، طارحة الحجج ذاتها. فكررنا المشهد ذاته.

طلب مني مجدداً إلغاء رحلة الهند:

- ستواجهين كل الصحافيين.

ها هو يستعد للتخلي عني، والمسألة الوحيدة التي تشغل باله أن يتتبعه الصحافيون، يتتبعونه هو لا أنا.

- ما المشكلة؟ سأواجه عدداً أكبر مما حظيت به في تركيا.

كان كلامي ساخراً، إلا أنني حاولت استفزازه. فقد قلق في شأن ما قد أخبرهم به.

- لا أعلم بعد.

كان جالساً، ممتعضاً، وفي يده ورقة صغيرة. راح يقرأ علي بيان الانفصال الذي كان يتوقع تسليمه إلى وكالة فرانس برس، ثماني عشرة كلمة باردة ومتعجرفة بدت كل منها أشبه بلكمة. انهرت أمام قساوة جملته، تلك الطريقة التي اعتمدها {لإبلاغ} الناس {أنه يضع حداً للحياة التي يتشاطرها مع فاليري تريرفيلر}. فنهضت وخرجت وأنا أصيح:

هيا! نظم بيانك إذا هذا ما كنت تريده.

حاول الإمساك بي واحتضاني.

- لا يمكننا أن ننفصل هكذا. قبليني.

حتى إنه اقترح علي أن نمضي ليلتنا الأخيرة معاً... لكني انتفضت بقوة، ورحلت من دون أن التفت إلى الخلف ووجهي مغطى بالدمع.

علمت لاحقاً أنه احتاج إلى ثلاثة مستشارين رسميين، بين كومتين من الشؤون الحالية الملحة، لتدوين بيان انفصالنا أو نعي علاقة حبنا. لا نتحكم دوماً بمشاعرنا. فقد أحببنا بعضنا في مرحلة لم نكن فيها حرَّين. لم تكن هذه كذبة. فلمَ كل هذه القسوة؟ هذا العنف؟ يضطلع اليوم بأعلى المسؤوليات. وإذا لم يكن بارعاً في مثل هذه الأمور، فعليه أن يتحلى على الأقل بالكياسة الضرورية.

كان علي الانضمام إلى المسؤولين عن أمني الذين ينتظرونني في السيارة. قلما بكيت كما كنت أبكي حينذاك. حاولت أن أختبئ خلف شجرة كي لا يروني بهذه الحالة. فأعطاني أحد كبار الندل سراً علبة محارم. لكني كنت أنا تلك المحرمة التي رُميت.

استجمعت قوتي وانضممت إلى الفريق. وبالكاد استطعت أن أخبرهم أننا سنعود إلى شارع كوشي. لم يتجرأ أحد على مخاطبتي بكلمة. كنا قد اجتزنا لتونا جسر ألكسندر الثالث، عندما تلقيت رسالة من مكتبي. كان فرانسوا قد أنزل المقصلة وبعث إلي بعبارة حب: {أطلب منك الصفح لأني أحبك دوماً}.

ضاعفت هذه العبارة دموعي المنهمرة. لمَ إذاً؟ هل هو صادق أم أن هذا دليل آخر على جبنه؟

لم تعد المسافة التي تفصلنا عن الشقة في شارع كوشي كبيرة. في المصعد، بدا ألكسندر، مسؤول الأمن الذي يرافقني، مستاء بقدري لأنه رآني بهذه الحالة. وعبّر عن قلقه حيالي وسألني عما إذا كنت أستطيع تحمل كل هذا.

نعم، سأجتاز هذه المرحلة.

علي ألا أشغل جهاز التلفزيون أو الراديو. بدأت الرسائل تنهال على هاتفي. لكني قلما كنت أقرأها. انتشر الخبر كالنار في الهشيم. لم أدرك أن هذا الخبر كان يجوب العالم. فلم أطلع على أخبار وسائل الإعلام الدولية بعد صور الدراجة النارية لأني دخلت المستشفى. لم أرد أن أستمع إليها. فعلي أن أحمي نفسي من تلك العاصفة الإعلامية.

كانت الأفكار تتأرجح في رأسي كما لو أنها حشرات ملتصقة بزجاج النافذة. كيف استطاع أن يفعل بي أمراً مماثلاً؟ إذا كنا سنحب بعضنا دوماً، فلمَ وصلنا إذاً إلى هنا؟ سأنطلق بعد غد إلى الهند. لذلك تعلقت بتلك الفكرة كما لو أنني غريق يتمسك بطوق النجاة. ماذا حدث لننفصل عن بعضنا خلال هذه الفترة الوجيزة؟ كانت السلطة أشبه بحمض حرق حبنا من الداخل. فقد سممت تلك الإشاعات عن غاييه حياتي منذ أكتوبر 2012.

ففي تلك الفترة، بعد مرور نحو خمسة أشهر على الانتخابات الرئاسية، سمعت بتلك الإشاعة للمرة الأولى، ولم أصدقها لحظة. فقد كنت أنا نفسي موضوع كثير من الإشاعات الكاذبة. لكني علمت أن مأدبة طعام مع فنانين أقيمت في قصر الإليزيه قبل بضعة أيام. نُظمت تلك المأدبة مساء السبت من دون إخطاري بذلك أو حتى دعوتي. ولم يأتِ أحد على ذكرها أمامي، لا فرانسوا ولا فريقه الذي يُفترض به أن يعلِم فريقي بكل الخطوات كي ننسق أجندتين في المجالات الخاصة، ولا حتى المستشار الثقافي الذي نظم هذا العشاء.

يوم السبت ذاك، كنت عالقة في {ليل آدام}. ففي تلك القرية الصغيرة قرب باريس، استأجرت منزلاً أقضي فيه جزءاً من أسبوعي مع أولادي حين كنا نتشارك في وصايتهم مع زوجي السابق. لكنهم صاروا اليوم يعيشون كلهم في العاصمة. لذلك ما عدت أملك أي سبب لأحتفظ بذلك المنزل. فقررت نقل كل أمتعتي وأثاثي منه. ساعدني أبنائي على توضيب أغراضنا خلال النهار، وقرروا الانضمام إلى أصدقائهم في المساء. كان يُفترض أن تكون هذه نهاية الأسبوع الأخيرة التي أقضيها هناك.

لم تخطر في بالي فكرة طلب المساعدة من فرانسوا. فهو الرئيس، ولا شك في أن لديه مشاغل أكثر أهمية. رحت أوضب أغراضي. وكما هي الحال عند كل انتقال، عاودت عيش لحظات من حياتي. فماذا أفعل بمجموعتي من مجلات Paris-Match؟ لا يمكنني الاحتفاظ بها كلها. ورحت أتصفح بعضها.

تأملت أيضاً عدداً من الصور، صور أولادي الصغار، وصور الحياة التي تمضي بسرعة. اتصل بي فرانسوا نحو الحادية عشرة مساء، ولم يأتِ على ذكر العشاء الذي شاركت فيه جولي غاييه. علمت بهذه المسألة بعد فترة. فاستغربت أنني استُبعدت عن أمر مماثل، إلا أنني لم أشعر بالخطر.

بعد شهر تقريباً، في نوفمبر 2012، عاودت الإشاعة الظهور بقوة. كانت الأقاويل تكثر في باريس عن وجود صورة تؤكد علاقتهما. فسألت فرانسوا عن الأمر وعما إذا كان رافق الممثلة بعد العشاء، فأجابني بالنفي.

تحوّل الهمس في المدينة إلى جلبة. وشاركت وكالة فرانس برس في هذه المسألة. انتشر خبر يقين: تُظهره الصورة وهو واقف تحت منزلها في شارع {فوبور سان أونوريه} على بعد خطوتين من الإليزيه. كنت في مكتبي، فاتصلت بفرانسوا. فقال لي: {سآتي}. وفي أقل من دقيقة، كان واقفاً أمامي. فانعزلنا في المكتبة المجاورة لغرفة مكتبي. صارحني عندئذٍ بأنه ذهب إلى منزلها في سبتمبر، إنما لحضور اجتماع لممثلين.

كم واحداً كنتم؟

ما عدت أذكر، ربما عشرة أشخاص أو اثني عشر.

هذا مستحيل، أنت تكذب. كان يُفترض أن يُدرج هذا الاجتماع في أجندتك. ولا يقوم الرئيس بأمور مماثلة.

شعرت بالتوتر. فاستسلم تحت الضغط وأقر بأنه كان برفقة بينو. فقد نظمت جولي غاييه عشاء كي يلتقي فيه الرجلان. لم يحدد ما إذا كان يتكلم عن بينو الأب أو الابن، لكنه يعرفهما كليهما، فضلاً عن أن الرئيس لا يحتاج إلى مَن ينظم له لقاءاته. وما زلت أذكر جيداً المساء الذي أخبرني فيه أنه تناول العشاء مع بينو بمفردهما...

لم يعد إلى المنزل متأخراً، والتقينا في شارع كوشي حيث أخبرني أن رجل الأعمال هذا كان يعمل على إعادة تمثالين صينيين سرقتهما القوات الفرنسية-البريطانية من القصر الصيفي في بكين عام 1860. كان من المفترض إدراج هذه الإعادة في البرنامج الفرنسي-الصيني خلال الزيارة الرسمية المقرر عقدها في أبريل. ولكن ما دخل جولي غاييه في هذه المسألة؟ ولمَ استُبعدت مرة أخرى عن هذه المسألة؟

استأت من هذه الكذبة. لكنني كنت لا أزال لا أصدق أن ثمة علاقة بينهما. فقد توقعت أن فرانسوا يهتم كثيراً بمنصبه، ما يمنعه من أخذ مخاطرة مماثلة. وضعفت أمام فكرة أننا متحابان كفاية كي لا يحدث أمر مماثل. هل كنت ساذجة؟ أوضح لي أحد أصدقائي الصحافيين أن رجال شرطة من اليمين يغذون هذه الإشاعة. وشك في أن أطرافاً سياسية سرية اعتادت فبركة المسائل لزغزغة الاستقرار. فصدقته هو أيضاً.

تحوّلت خلال الحملة الانتخابية إلى ضحية ملف شرطة كاذب تداولته مختلف الأطراف. لذلك أرادت محامية رؤيتي في الحال. كذلك اتصل بي صحافيو L’Express ليسألوني عن هذه المسألة قبل النشر. كانوا يعلمون أن هذا الملف ملفّق وأرادوا التنديد بالأساليب التي يعتمدها الحزب المنافس. فقد نسب إلي الملف علاقات مع نصف الطبقة السياسية من اليمين واليسار.

صحيح أن هذا الملف كان ملفقاً، إلا أن هذه المسألة برمتها آلمتني. لم أخشَ إلا أن يظن أولادي أنني من هذا النوع من النساء. كانت هذه أول موجة إعلامية عاتية أواجهها، علماً أنها لم تكن الأخيرة.

بعد نشر L’Express مقالها عن هذه المسألة، لم يكف هاتفي عن الرنين. فكانت وسائل الإعلام كافة تحاول الاتصال بي، لذلك لم أجب البتة. أردت أن أحمي نفسي، حتى إنني لم أشغل التلفزيون، بل لجأت إلى منزلي في {ليل آدام}.

سارعت بالعودة إلى منزلي لأغسل ملابسي كما لو أنني أردت أن أنظف نفسي من هذا العفن. كانت تلك اللائحة بشعة جداً، حتى إنها أضحكت فرانسوا، إلا أن تأثيرها جاء مختلفاً.

نتيجة لذلك، لم أصدق إشاعة غاييه. أهذه لعبة أغراء؟ ربما. ذكّرته مرات عدة بكذبه وبحفلتي العشاء اللذين حضرَتهما ولم أشارك أنا فيهما. ومن ثم خبت الإشاعة.

لكن الهدوء لم يدم طويلاً. ففيما كنا نستعد للانطلاق في رحلة رسمية إلى روسيا نحو نهاية فبراير 2013، كنت أنتظر فرانسوا في صالة الشرف في الإليزيه، لكنه تأخر في المجيء. فأخبروني أن باسكال روستان، الصحافي المتطفل المشهور، موجود في مكتبه. بدا لي هذا مستحيلاً: روستان مع فرانسوا؟ كلا، هذا لا يُصدق.

رحت أصعد الدرج بسرعة وسط صالة الشرف، علماً أنني لم أعتد استعماله. مررت أمام محضريه بخطى ثابتة. لم أسمح لنفسي سابقاً بدخول مكتبه بهذه الطريقة. فخلال الأشهر العشرين الأخيرة، لم أدخله إلا خمس مرات. فتحت الباب الكبير من دون أن أقرعه وصحت في وجه الدخيل:

- ماذا تفعل أنت هنا؟ لا شأن لك هنا.

كنت أعرفه جيداً، حتى إننا كنا صديقين في مرحلة ما خلال عملي في Paris-Match، إلى أن أدركت أنني لا أستطيع الوثوق به.

 أجابني روستان أنه حضر ليحذر فرانسوا من الإشاعة التي يتداولها الناس:

- يقولون إن ثمة ولداً أسود في كوريز.

- أتقصد إشاعة غاييه؟ حسناً، باتت هذه منتشرة في الأوساط الباريسية ولا نحتاج إليك لتخبرنا عنها.

ثم خاطبت فرانسوا:

- علينا الرحيل، الجميع ينتظروننا.

ثم شبكت ذراعي بذراعه لاصطحبه معي، تاركةً الصحافي المتطفل وراءنا.

كان الجو متوتراً جداً في السيارة التي نقلتنا إلى أورلي.

- ماذا أراد منك روستان؟

- لا شيء محدداً. أراد إخباري عن الإشاعات.

كانت هذه المرة الأولى التي تنتابني فيها الشكوك:

- ما كنت لتقابله في اللحظة الأخيرة لو لم يكن يملك شيئاً ضدك.

- كلا، اطمئني.

منعني وجود رجال الشرطة في السيارة من متابعة  تحقيقاتي.

عاودت الإشاعة الظهور. ولم يتبدل السيناريو: ثمة صور يجري تناقلها. كذلك قيل لي إن جولي غاييه لم تحاول تكذيب هذه القصة. على العكس، كانت تتصرف بغموض. لذلك قررت الاتصال بها. كنا يومذاك في الثامن والعشرين من مارس. كان من المفترض في ذلك المساء أن يظهر فرانسوا على شاشة محطة TF1. لم يفاجئها اتصالي على ما يبدو. فأوضحت لها أن هذه القصة تثير استيائي وتلحق الأذى بفرانسوا على الصعيد السياسي. فاكتفت بالرد أن هذا يؤلمها. لذلك اقترحت عليها أن تكذبها هي بنفسها كي نضع حداً لهذا الفيلم السيئ، فقبلت. ثم بعثت إليها برسالة طلبت منها فيها أن تنتظر يومين كي لا نحجب الاهتمام عن المقابلة الرئاسية.

- أخشى أن الوقت قد فات لأن محاميّ أرسل البيان الصحافي.

صحيح أن التوقيت لم يكن جيداً، إلا أن تكذيب هذه الرواية رسمياً طمأنني. ولكن ظلت الإشاعة تعتمل. لذلك، نظرت ذات مساء إلى عيني فرانسوا وقلت له:

احلف لي على رأس ابني أن هذه أكاذيب ولن أعاود فتح الموضوع.

فأقسم على رأس ابني وطلب مني نسيان هذه القصة الكاذبة. أخبرني أن أمامه الكثير من المشاغل والهموم كي يتوقف عند إشاعات مماثلة، وأنني أزعجه بهذه المسألة التافهة.

كان من المفترض أن تهدئني تطميناته هذه نهائياً، إلا أن السم كان قد انتشر.

back to top