فجر يوم جديد: {ديكور}
لم أستسغ التجربة الأخيرة للمخرج الشاب أحمد عبدالله السيد في فيلم {ديكور}، بعد أن اعتراني شعور أنه تخلى عن تواضعه، وسعيه الدائم إلى التجريب، ومال إلى {الفذلكة} و«استعراض العضلات}. فهو الذي اختار أن يُصور الفيلم بالأبيض والأسود، ورغم هذا عجز عن التوصل إلى صيغة ناجحة يوظف فيها الأبيض والأسود توظيفاً درامياً، على غرار الأسلوب المتبع في الأفلام التي كان يصورها المبدع الكبير عبد العزيز فهمي، وهو الذي أوحى لي بأنه لم يتعمد التصوير الأبيض والأسود لكن خطأ ما أجبره على هذا!تدور أحداث فيلم {ديكور} (2014 / 116 دقيقة) حول مهندسة الديكور {مها} (حورية فرغلي) التي وقعت في غرام أفلام الأبيض والأسود، وأدمنت عوالمها، وسحرها، ونتيجة عملها في فيلم رديء أقرب إلى أفلام المقاولات ضعيفة الموازنة هابطة الفكر، وجدت نفسها تحت ضغوط نفسية هائلة قادتها إلى التحليق في عالم افتراضي هربت إليه من الواقع القاسي!
أجمل ما في السيناريو، الذي تعاون في كتابته شيرين ومحمد دياب، أن الخطوط الفاصلة بين الواقع والخيال سقطت وانهارت بحيث يصعب على المشاهد أن يتبين الزيف من الحقيقة، ولا يكاد يعرف إن كانت {مها} تعيش الوهم مع زميلها مهندس الديكور {شريف} (خالد أبو النجا) أم أنه عالمها الحقيقي بينما تهرب إلى الوهم عندما تزعم أنها تزوجت {مصطفى} (ماجد الكدواني) وأنجبت منه {هيا}؟ نجح الفيلم في ترجمة التداخل بين العالمين، عبر الالتجاء إلى تصوير الفيلم داخل الفيلم، لكن اتهام السيناريو بأنه استلهم الفكرة من فيلم {الليلة الأخيرة} (إنتاج 1963) إخراج كمال الشيخ، الذي يحكي قصة {نادية} التي استيقظت لتجد نفسها مع رجل يزعم أنه زوجها، وفتاة تدعي أنها ابنتها، يظل معلقاً برقبة الفيلم، الذي استعان بمقاطع عدة من الأفلام التي شاركت فاتن حمامة في بطولتها مثل: {نهر الحب} و}أيامنا الحلوة}، فبدا وكأنه يوجه التحية إلى سيدة الشاشة العربية. لكن افتقد فيلم {ديكور} جرعة التشويق والإثارة والغموض التي ميزت فيلم {الليلة الأخيرة}، فضلاً عن رتابة الأداء التمثيلي لحورية فرغلي وخالد أبو النجا وماجد الكدواني في فيلم {ديكور}، مقارنة بالأداء العبقري لمحمود مرسي وفاتن حمامة وأحمد مظهر في {الليلة الأخيرة}! جاء اختيار عنوان {ديكور} مناسباً لأجواء وقضية الفيلم، نظراً إلى أن الديكور يحمل إيحاء بالزيف، وتكريس الوهم. لكن ثمة إشكاليات كثيرة واجهت التجربة، على رأسها الحوار الفقير الذي اتسم بالسطحية، وادعاء الفلسفة التي تحولت إلى سفسطة، كالحديث عن {الوهم إني أعيش حياة أنا مش مقتنع بها}، و«أن تحقق في الوهم ما تعجز عن تحقيقه في الواقع}، بالإضافة إلى الرسم الأكثر فقراً للشخصيات الدرامية، والمثال الصارخ في شخصية {مصطفى} التي جسدها ماجد الكدواني، وعانت هزالاً في ردود أفعالها، ومثالية في سلوكياتها، و«سيمترية} في رسم المواقف، كما رأينا في مشهد ضبط {مصطفى} زوجته {مها} في منزل {شريف} ثم العكس، والثرثرة التي لم تضف جديداً حول الأم التي أجبرت ابنتها على الانفصال عن {شريف} والارتباط بـ {مصطفى}، ما كان سبباً في أزمة {مها}! يعاني فيلم {ديكور} برودة لا تخطئها المشاعر، وارتباكاً في المواقف والأفكار، والدوران حول الفكرة الواحدة، وغياب التسلسل بحجة التمرد على طرق وأساليب السرد التقليدية (مونتاج سارة عبد الله)، لكن يُحسب للمخرج أحمد عبد الله السيد ميله الدائم إلى التجريب؛ فإذا كان قد لجأ إلى ابتكار شريط صوت جديد في فيلم {فرش وغطا} فها هو يتعمد التجديد اعتماداً على الصورة في {ديكور} مستعيناً بمدير التصوير طارق حفني، وإن بدا أن التجديد لم يؤت ثماره هذه المرة، لأن الهدف منه ليس أصيلاً، بل مستعاراً ومزيفاً بدرجة كبيرة، كزيف وفجاجة الإيحاء بأن الأحداث تدور في أعقاب ثورة 25 يناير، عبر الإشارة، من دون مناسبة، إلى أن ثمة {حظر تجول} في البلاد، والربط المتعسف بين أزمة {مها} ومحنة الوطن!على النسق المرتبك نفسه تأتي المحاولات اليائسة لتوظيف الموسيقى (خالد القمار) و«شبابيك} محمد منير وأغاني محمد عبد الوهاب، والإيحاء بأن المنتج {الحديدي} و«السبكي} وجهان لعملة واحدة، انتهاء بمشهد البطلة في مصحة نفسية، وهي تفاضل بين {شريف} و«مصطفى}. ومرة أخرى يستعين المخرج بالمشهد الأخير في فيلم {أيامنا الحلوة} (1955) إخراج حلمي حليم وبطولة فاتن حمامة والثلاثي: عبد الحليم حافظ، عمر الشريف وأحمد رمزي بخلاف أن الستارة، هذه المرة، لا تسقط بسقوط البطلة «هدى} المصابة بالمرض القاتل، كما في {أيامنا الحلوة}، لكن تتخذ البطلة {مها} قراراً بأن تبدأ حياتها من جديد... ويستمر اللغز!