لماذا يفعل أردوغان... هذا؟!
بينما تنشغل هذه المنطقة، ومعها العالم الغربي والشرقي كله، بـ"داعش"، فإن ما يثير الاستغراب ويستدعي طرح العديد من التساؤلات هو أنَّ الرئيس التركي الجديد رجب طيب أردوغان لا يجد ما يشغله في هذا الشرق الأوسط المضطرب، الذي بات يهتز بكل دوله كـ"قصلة" في مهب ريحٍ عاتية، إلا انعقاد برلمان ليبيا في مدينة طبرق القريبة من الحدود المصرية والآمنة نسبياً لا في مدينة طرابلس (الغرب)، التي تدور في شوارعها وميادينها معارك دامية بين العديد من العصابات الإرهابية، التي يعمل بعضها لحساب معادلات إقليمية و"إخوانية" مكشوفة ومعروفة.ما الذي يضير أردوغان ويغضبه أنْ يعقد البرلمان الليبي "الإنقاذي" اجتماعه... واجتماعاته في "طبرق"، التي هي جزءٌ من ليبيا كطرابلس (الغرب) وكباقي المدن الليبية؟ خصوصاً أن العاصمة، أي طرابلس، من المستحيل أن يُعقَد فيها الآن أي اجتماع، ولو من عشرة أشخاص، لأنها تتعرض لتدمير منهجي من تنظيمات يخوض، بعضها ضد بعض، حروباً طاحنة لمصلحة القوى الإقليمية المتناحرة.
عندما سطع نجم أردوغان، خصوصاً بعد "بهدلته" الشهيرة للرئيس الإسرائيلي السابق شمعون بيريز في "دافوس"، ساد إحساس لدى العرب كلهم، القوميون والقِطْريون والتقدميون و"الرجعيون"!، أنه "المُخلِّص" الذي طال انتظاره، وأن تركيا، هذه الدولة العظيمة التي حكمت منطقتنا أكثر من أربعة قرون تحت العمامة العثمانية، ستعود إلى مسارها الصحيح، وستتجه الاتجاه المفترض، بعد أن بقيت تقف زهاء نصف قرن أمام الأبواب الغربية تنتظر دخول جنة الاتحاد الأوروبي، الذي أثبت بعد انضمام أوروبا الشرقية إليه أنه لا يمكن أن يقبل في عضويته دولة إسلامية بكل هذا الحجم، وبكل هذه القوة، وكانت خيول فرسانها قد "صهلت" ذات يوم في فيينا، التي كانت ولا تزال قلب القارة الأوروبية. كان الاعتقاد، عندما سطع نجم أردوغان، أنَّ تركيا العظيمة التي كان العرب جزءاً من تاريخها الطويل، والتي كانت هي بدورها جزءاً من الحضارة العربية التليدة، ستصبح لهذه المنطقة كلها، وجزءاً منها بعد تغيير توجهها من الشمال إلى الجنوب، لكن، للأسف، الصدمة كانت قاسية وكبيرة عندما انحاز هذا الرجل، الذي كان يشكل أملاً واعداً، إلى حزب سياسي هو حزب جماعة الإخوان المسلمين، وعندما بات يتصرف، حتى بالنسبة للسياسات الإقليمية والدولية، وفقاً لمصالح هذا الحزب، الذي له في الشرق الأوسط كله خصومات كثيرة.لقد كان مستغرباً، ولا يزال، أن يضع أردوغان نفسه ويضع تركيا كلها في مواجهة الشعب المصري، الذي ثار على حكم الإخوان المسلمين، الذين كادوا أن يأخذوا البلاد والعباد إلى كارثة محققة، كما كان مستغرباً أيضاً أن يعلن هذا الرجل، الذي أصبح رئيساً لإحدى أهم دول المنطقة، الحرب على نظام ثورة يونيو، نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي، وأن يرفع راية إسقاطه بحجة غير مقنعة، وهي رفْض الانقلابات العسكرية!وإذا افترضنا أن رفْضَ الانقلابات العسكرية هو سبب موقف الرئيس التركي الجديد من ثورة "يونيو" المصرية ومن نظام الجنرال السيسي، وهذا بالطبع غير صحيح ولا يمكن تصديقه، فما هو، يا ترى، مبرر اصطفاف أردوغان إلى جانب الإخوان المسلمين الذين يحاولون، بدعم إقليمي معلنٍ ومعروف، انتزاع الحكم بقوة السلاح في ليبيا؟ وما مبرر تحويل إسطنبول إلى "مثابة" للتنظيم العالمي لجماعات الإسلام السياسي؟ وما مبرر دعم راشد الغنوشي ضد مناوئيه العلمانيين والليبراليين والقوميين في تونس؟ ثم ما مبرر الوقوف إلى جانب عمر البشير؟ وما مبرر حشر تركيا كلها في هذه الزاوية الحزبية الضيقة؟!