في الجلسة المحددة لنظر الاستجواب المقدم من النائب عبدالحميد دشتي إلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية، لم يطلب سيادته التأجيل الذي كان متاحاً له طبقاً لأحكام اللائحة، بل أبدى استعداده لصعود المنصة، والرد على محاور الاستجواب، عدا المحور الأول الذي طلب استبعاده لعدم دستوريته.

Ad

وكان الخبراء الدستوريون بالمجلس قد أجمعوا على عدم دستورية هذا المحور، فتم طرح هذا الطلب للتصويت، حيث وافق 45 عضواً على استبعاد هذا المحور، مقابل تسعة أعضاء لم يوافقوا على شطبه وامتناع اثنين عن التصويت.

ووافق المجلس على جعل الجلسة سرية، الأمر الذي أدى بالعضو المستجوِب إلى الانسحاب من الجلسة، فنبه رئيس المجلس الأعضاء إلى أنه لغياب مقدم الاستجواب، فإن من لديه رغبة في تبني الاستجواب، فليبدِ رغبته، إلا أن أحداً لم يبدِ هذه الرغبة، فتم الانتقال إلى جدول الأعمال، وهو ما رأينا معه أن نعرض لمسألتين، أرى أنهما جديرتان بالبحث:

المسألة الأولى: التصويت على شطب المحور الأول

فقد كانت أغلبية أعضاء المجلس مع شطب المحور الأول، وهو ما كشفت عنه نتيجة التصويت على قرار الشطب، فقد وافق 35 عضواً من غير الوزراء على شطب المحور، مقابل تسعة أعضاء فقط لم يوافقوا على القرار، وامتناع اثنين عن التصويت.

وكم كنت أتمنى أمام هذه الأغلبية الساحقة من الأعضاء الذين وافقوا على القرار، أن يمتنع الوزراء عن التصويت، امتثالاً لأحكام المادة (101) من الدستور التي تنص على عدم اشتراكهم في التصويت على الثقة.

فإن روح الدستور تفرض امتناع الوزراء عن التصويت على شطب الاستجواب أو أي محور من محاوره، قياساً على الحكم سالف الذكر، لأن شطب الاستجواب أو استبعاده قبل مناقشته يتساوى في الأثر وسحب الثقة.

إلا أن البادي من موقف الوزراء سالف الذكر أنهم أرادوا ترسيخ السوابق البرلمانية التي صوت فيها الوزراء على سحب الاستجوابات، وهو ما دفع مجموعة من طلبة الدراسات العليا في القانون الدستوري بإشراف د. محمد الفيلي إلى المطالبة بتعديل اللائحة الداخلية لحرمان الحكومة من التصويت على شطب الاستجوابات، ضمن تعديلات أخرى نشرت على صحفات "الجريدة" أمس الأول.

المسألة الثانية: تعلق حق المجلس والوزير في الاستجواب

وبادئ ذي بدء، فإن لرئيس المجلس موقفين جديرين بالإشادة، أولهما امتناعه عن التصويت على قرار شطب المحور الأول، وثانيهما أنه نبه الأعضاء إلى الحكم الوارد في المادة (141) من اللائحة الداخلية، والذي يخول أي عضو تبني الاستجواب، وهما موقفان يعبران عن الحياد الذي اتسمت به الرئاسة في تسيير الجلسة.

إلا أنني كنت أتمنى من الرئاسة أن تنبه الوزير إلى أن من حقه كذلك أن يتبنى الاستجواب، ويرد على محاوره الباقية في الجلسة التي مازال قرار عقدها سرية سارياً، لإجلاء الحقائق المتعلقة بالموضوعات التي أثارها السيد العضو في استجوابه. وهو ما تمليه روح الدستور أيضاً، فيما نصت عليه المادة (101) بأنه يجوز طرح موضوع الثقة بالوزير بناء على رغبته، وهو رأي كنت قد أبديته على هامش أول جلسة سرية قرر المجلس عقدها لمناقشة استجواب، عندما انسحب مقدمه النائب السابق السيد حسين القلاف من الجلسة التي عقدت بتاريخ 16 /6/ 1998، وقرر رئيس المجلس عقب هذا الانسحاب الانتقال إلى جدول الأعمال، فقد كان لدى الحكومة ما قدّرت معه أن استمرار نظر الاستجواب هو الخيار الصعب، وتحت هذا العنوان كتبت مقالاً في صحيفة "القبس" بتاريخ 23/ 6/ 1998 شرحت فيه الأسباب التي بنيت عليها رأيي سالف الذكر، أوجزها فيما يلي:

1 - إن حق الوزير في الرد على الاستجواب الذي كفلته اللائحة الداخلية لمجلس الأمة هو حق مستمد من حرية من الحريات العامة، وحق من الحقوق الأساسية، هو حق الدفاع.

2 - ومن تطبيقات حق الدفاع، حق الرد الذي تكفله القوانين في كل البلاد في مواجهة حرية الصحافة، وحقها في نشر ما تراه مستوجباً للنقد بما يمس الأشخاص العامة أو حتى الأفراد العاديين، إذ يكون من حق هؤلاء وأولئك الرد، وهو حق مكفول لهم بنص القانون.

3 - وتكفل القوانين للمدعى عليه في ساحة القضاء إذا انسحب المدعي بعد انعقاد الخصومة أن يطلب من المحكمة استمرار نظر الدعوى وصولاً إلى صدور حكم برفض الدعوى وتبرئة ساحته أمام القضاء من أي ادعاء زائف يكون هدفه ابتزاز المدعى عليه أو التشهير به.

4 - إنه يترتب على حرمان الوزير من حق الرد إخلال بمبدأ المساواة، ذلك أن أية ميزة يتمتع بها مقدم الاستجواب تعطيه الحق في تقديم استجوابه بما يحمله من اتهامات للوزير، دون أن يكون للأخير حق الرد لانسحاب مقدم الاستجواب، بعد البدء في نظره، وهي ميزة تختل معها معايير المساواة.

5 - وقد أثير هذا الموضوع في مجلس النواب المصري بمناسبة استجواب موجه للحكومة عن الرقابة على الصحف عندما حضر النائب المستجوب الجلسة دون أية أوراق أو مستندات، وقعد عن شرح استجوابه، فقامت الحكومة بالرد على الاستجواب (مضبطة الجلسة الثالثة في 1و2/ 12/ 1942 ص69).

 كما وافق مجلس النواب المصري على طلب الحكومة الرد على الاستجواب، ومناقشته بالرغم من انسحاب أحد الأعضاء مقدمي الاستجواب، الأمر الذي أخل بالحد الأدنى اللازم لتقديم الاستجواب، وهو عشرة أعضاء (جلسة 10/ 4/ 1934 ص574).

في ختام هذا المقال أرجو أن يكون قد فتح الباب لكي يدلي كل من الخبراء الدستوريين في المجلس بدلوه في هاتين المسألتين، حرصاً على سلامة الممارسة البرلمانية للاستجواب.