أوبرا ديرة... تحية وطن!
يبدو جلياً في عنوان "أوبرا ديرة" الإصرار على تقديم شيء جديد. ففكرة استحضار وتخليد الدور البطولي الذي قام به شهداء الكويت الأبرار، أثناء الغزو الصدامي عام 1990، دفاعاً عن تراب وطنهم الغالي. فكرة انبرى لها أكثر من مؤلف ومخرج وفريق عمل، وجاءت بهيئات فنية متعددة، تتراوح بين الأغنية والعمل التلفزيوني والمسرحي والتشكيلي والسينمائي والموسيقي. لذا فقيام مكتب الشهيد بخلق توليفة موسيقية مسرحية لتخليد هذه البطولات مبادرة تستحق الثناء.مؤلف العمل الدكتور علي العنزي، الرئيس السابق لقسم النقد والأدب المسرحي في المعهد العالي للفنون المسرحية، وفِّقَ في تقديم حكاية الغزو بطريقة إنسانية بسيطة تصل قلوب جمهور الحضور، كما أن تعاونه مع زميله الدكتور فهد العبدالمحسن، الأستاذ المساعد في المعهد العالي للفنون المسرحية، كمخرج، أحدث تناغماً واضحاً على روح العمل، وهذا مجتمعاً جاء بصيغة مبدعة من خلال الاستعانة بفريق للأداء الأوبرالي بدءا بالدكتور رشيد البغيلي، رئيس قسم التأليف والنظريات في المعهد العالي للفنون الموسيقية، وقيادة المايسترو البلجيكي إشتاين سوفنيرز، وعدد كبير من عازفي الأوركسترا من الشباب الكويتي، إضافة إلى عدد آخر من مؤدي الغناء الأوبرالي، وهذا مجتمعاً جاء متناغماً مع أداء الكورال، مما أمتع الجمهور، وأوصل الرسالة المراد إيصالها للمتلقي ببقاء الكويت عزيزة وعالية بحرص وتضحيات أبنائها، وليس أجمل من علم يرفرف على سارية وكأنه ينطق بخفق القلوب.
إن أبرز ما يجب التوقف عنده في هذا العمل، هو الأداء الأوبرالي الموسيقي المبدع لما يزيد على خمسين عازفاً، بنوتة موسيقية عالمية، مع تداخل الآلات الكويتية ضمن التجانس الهارموني للحن. وإذا كان الموسيقار د. سليمان الديكان قد سبق له أن أدخل الآلات الكويتية ضمن عزف سيمفوني، فإن ذلك يأتي منسجماً مع البيئة التي تربى فيها كونه ولِد في بيت موسيقي لأحد أهم الملحنين الكويتيين وأعني به والده الموسيقار غنام الديكان، وبالتالي فإن أذنه ومزاجه الكويتي يستوعب تماماً نغم آلة العزف الكويتية بمختلف ألحانها وتشكيلات استخدامها. لكن، أن يقوم مايسترو بلجيكي، قادم من بيئة اجتماعية مغايرة، وأذن موسيقية مختلفة، بتفهم دور كل آلة موسيقية كويتية، كالطار والمرواس والطبل، وعمله على إدماج أكثر من لحن من ألحان الغناء الكويتي بنوتة موسيقية عالمية فإن ذلك يُعد إنجازاً إبداعياً جميلاً، يُحسب لمن قام على توليفة هذا العمل. الأداء المسرحي الذي تجسّد كخلفية للأداء الموسيقي، جاء بشكل بسيط وموحٍ، بدءا من الديكور مروراً باستخدام خلفية المسرح كشاشة عرض متعددة لأهم الأحداث الكويتية، التي مرت بها الكويت، بدءا بآثار جزيرة فيلكا ببعدها التاريخي العالمي، مروراً بمحطات وأحداث كويتية مهمة، ولقد كان منتاج هذه الأحداث موفقاً جداً، بحيث ظهر متناغماً مع العرض الموسيقي من جهة، وعنصراً مهماً لإيضاح البعد التاريخي، مروراً بالمجتمع الكويتي القديم، وتصدير البترول، ونشأة المجتمع الكويتي باستقلاله وديمقراطيته، وقوفاً عند محطة الغزو الأسود، وانتهاء ببزوغ شمس الحرية.كان لدور الممثل المبدع خالد أمين حضوراً واضحاً في العمل إلى جانب زميله محمد الحملي، وغدير السبتي وعبدالله الزيد، ومؤكد أن الأداء الأوبرالي لكل من حنان رضا ونورة القملاس وعبدالله المراغي وأحمد الكندري، شكّل إضافة موسيقية رائعة للعمل."أوبرا ديرة" عمل موسيقي مبدع، قدمه مكتب الشهيد كتحية لشهداء الكويت، في احتفالات الكويت بيوم الاستقلال وعيد التحرير، وهو توليفة مسرحية موسيقية مبدعة، فشكراً كبيرة لكل من ساهم في أن يرى هذا العمل النور. وهو في مضمونه تحية مستحقة من وطن بأكمله لشهداء قدموا أرواحهم رخيصة لتراب هذا الوطن.