في مثل ظرف الدولة المالي الصعب، من المفروض أن نرتفع  ونسمو قليلاً في طرح القضايا العامة، أو ما نعتقد أنه القضية الأولى الآن، وهي تهاوي أسعار النفط، والنتائج الخطيرة المترتبة على سقوط سعر البرميل، غير الآثار الاقتصادية لهذا السقوط التي سنشعر بها، وسنكوى بلهيبها بالتأكيد، ستكون هناك آثار اجتماعية مدمرة على صعيد الأفراد والأسر، وسلوك المواطنين والوافدين، فنقص الأموال لن يترك أحداً إلا القلة التي أخذت المعلوم في زمن مضى، وخبأته في مكان آمن بعقارات وبنوك في الخارج.

Ad

ما نلاحظه حتى الآن، وليس الأمر قاصراً على الخطاب العام المتردد بين شعار "وصل السكين للعظم" للوزير العبدالله، ولافتات "لا داعي للقلق" من مجلس الوزراء، بل يمتد إلى الخطاب الخاص وتصفيات حروب داحس والغبراء الخليجية، أول مرة كتبت خطأ  "داعش" بل "داحس"، ولا فرق بين الثقافتين الداعشية والداحسية غير ألف وخمسمئة سنة تقريباً، فليس هذا وقت جلد الذات وجلد الغير، ورمي كل الأخطاء والانحرافات التي نعانيها اليوم على الآخر الذي نختلف معه، فمع كل تقديري، مثلاً للصديق الكاتب عبداللطيف الدعيج في طرحه الفكري، إلا أنني لا أعرف الجدوى من رمي كل وزر واحمال همومنا على "المجاميع القبلية- الدينية"، وتحميل المعارضة الحالية أو ما تبقى منها، (وهي بالتأكيد لها أخطاء كبيرة) آثار الفشل الذي نتجرعه اليوم، وكأنها التي كانت تحكم الكويت، وشيوخنا كانوا هم المعارضة! رغم أن عبارة "اللي يبونه الشيوخ يصير" كانت تتردد في مقالات عبداللطيف في الماضي على ما أذكر! فما الذي تغيّر بين الأمس واليوم، ومتى كانت الكلمة النهائية للمعارضة (القبلية- الدينية) مهما كانت قوتها، ومهما كانت تحدياتها بالأسئلة والاستجوابات وغير ذلك ماضياً وحاضراً!

     النقاش حول "جنس الملائكة" من ناحية، وإسباغ ثوب الحصافة والتقدم الحضاري على جسد الإدارة السياسية، ورمي معارضتها بالتخلف والانتهازية، وحشر وعي الناس بمثل هذا الطرح، من ناحية أخرى، ليس ما نريده اليوم، وهذا لا يعني نقد وتهميش الرأي الآخر بقضايا الضمير، لكن لنهمس بأذن الزميل عبداللطيف، بأنه إذا كان  رصيد المعارضة في مجلس 2012 أو المجالس التي قبله ضئيلاً،  بمسألة حريات الضمير، فإن ما تفعله السلطة هذه الأيام بمشروعاتها القانونية مباشرة (الاتفاقية الأمنية ومشروع الرقابة الإلكترونية على سبيل المثال لا الحصر)، أو عبر وكلائها النواب، أو بممارسات القمع بالحبس لأصحاب الرأي وسحب الجناسي عنهم وعن أهلهم وأبنائهم ضاربة عرض الحائط بحقوق الإنسان ومعيار شخصية العقوبة، ومع غياب هذه المعارضة "الدينية- القبلية" قاتل لحريات الضمير، بل هو مجزرة لها.

    التسامي والارتفاع لتحديات المرحلة هو ما نحلم به الآن، والكلام هنا موجه إلى البعض من أصحاب الرأي الذين غرقوا، وربما من غير قصد، أغرقوا وعي البشر في وطنهم بالمسائل الجانبية، وفي معارك وغزوات أصحاب النفوذ والسلطة على كعكة الأمس الكويتية، أو كانوا يقومون بدور مخلب القط لهم، نتمنى عليهم أن يقفوا مع أنفسهم قليلاً، ويراجعوا أولوياتهم... يكفينا ضياع الدولة لعقود ممتدة مع ضياع الأولويات... الوقت الآن لا يحتمل المزيد من التيه.