غيرة النساء... معاناة عقلية ونفسية

نشر في 09-05-2015 | 00:01
آخر تحديث 09-05-2015 | 00:01
No Image Caption
يمكن تعريف الغيرة في الحب على أنها {شعور مؤلم بالقلق لدى شخص يرغب في امتلاك حبيبه ويخاف من خيانته يوماً}. تصيب الغيرة الرجال والنساء معاً، لكن من الواضح أن غيرة النساء قد تتخذ أشكالاً متعددة وخطيرة، وثمة خطوة واحدة بين الغيرة والحسد... الغيرة حالة شائعة وقد تكون معقدة ومخادعة في آن لأنها تخفي غالباً مشاكل مثل الإحباط والرغبات المكبوتة. لا حاجة إلى علماء النفس كي نعرف أن الغيرة تشتق في الأصل من مرحلة الطفولة الغابرة. لكن وفق الخبراء، تُعتبر هذه المعاناة ضرورية لأنها تسمح بتجاوز الانصهار السابق مع الأم، وهي تبدأ في نهاية فترة الفطام التي تكون صعبة أصلاً وفي اللحظة التي يستعد فيها الطفل لمواجهة صدمة قوية، أي حين يدرك أنه لم يعد محور الانتباه (قد يحصل ذلك مثلاً مع ولادة شقيق له).

في علاقات الحب، تصبح الغيرة خليطاً من الخوف والغضب: الخوف من فقدان الحبيب والغضب عند رؤية اهتمامه بالآخرين. وراء هذه الغيرة، تختبئ رغبة فعلية في امتلاك الآخر والسيطرة عليه. يجب ألا ينسى أحد أن الغيرة ليست حكراً على جنس معين!

تميل المخيلة الجماعية إلى اعتبار الغيرة شعوراً مرتبطاً بالحب، ما يعني أنها تعكس قوة ارتباطنا بالآخر وخوفنا من خسارته. لكنّ هذه النظرة الرومانسية التي تظهر في أفلام السينما والروايات لا تعكس الواقع الدقيق. لا تكون الغيرة بشكل عام مؤشراً على الحب بقدر ما تشير إلى انعدام الثقة بالنفس وبالشريك.

أنواع مختلفة

حدد علماء النفس 5 أنواع من الغيرة في الحب:

1 الغيرة المرتبطة بعدم تقاسم الحب: إنها الغيرة التي تتخذ طابعاً رومانسياً. ترتكز هذه الغيرة على الاقتناع بأن الحبيب مغرم بشخص آخر. تشعر المرأة بالحسد تجاه المرأة الأخرى لأنها تحتل مكانة مميزة في قلب حبيبها، سراً أو علناً، ولأنها لم تعش بنفسها القصة التي كانت تحلم بها.

2   الغيرة الوهمية: إنه الجانب الأكثر شيوعاً من الغيرة. تعني هذه الحالة الاشتباه بوجود حب أو مصلحة بين الحبيب وطرف آخر. قد يكون ذلك الشخص حقيقياً ولكنه يكون وهمياً في حالات كثيرة. تختلق المرأة الغيورة جميع أنواع السيناريوهات والاحتمالات المبنية على الخوف من التعرض للخيانة. هكذا تجتاحها الأوهام والشكوك التي لا تكفّ عن التزايد.

3   الغيرة المبنية على المقارنة: ينشأ هذا الشعور حين يختلف الحبيبان حول موضوع حساس أو مهم بالنسبة إلى أحد الطرفين. قد تقع العلاقات ضحية هذا النوع من الغيرة عند وجود فارق كبير بين الطرفين من حيث السن والجمال والمستوى الفكري والاهتمامات {غير المتجانسة}... تعكس هذه الغيرة الخوف من أي يتخلى الشريك عن العلاقة لأجل شخص يتقاسم معه نقاطاً مشتركة كثيرة. تعتبر المرأة الغيورة أن ذلك الطرف الثالث يجذب الشريك بسبب جماله وشبابه وثقافته...

4   الغيرة المشتقة من الانفصال: تنجم هذه الحالة عن فقدان الحبيب الذي يهجر حبيبته الأصلية من أجل امرأة أخرى. يمكن تفسير الانفصال بتطور مشاعر جديدة تجاه طرف ثالث. ينشأ أيضاً حب التملك لدى المرأة التي لا تكف عن حب الشريك رغم الانفصال. لذا تصب المشاعر السلبية التي تنتجها الغيرة ضد الطرف الثالث. إنها الغيرة الأكثر خطورة حتماً ولا بد من كبح مسارها سريعاً لإعادة بناء الذات.

5  الغيرة المشتقة من الاستفزاز: تنجم عن سلوك الشريك الذي يميل بطبيعته إلى جذب كل من حوله. يريد الحبيب أن يتأكد من أنه لا يزال قادراً على إغراء النساء. لذا يعمد عن قصد إلى إبقاء مشاعره أو مصير العلاقة مبهمة وقد يتودد إلى نساء أخريات من دون رادع. هو يستغل سحره ووضعه الافتراضي كأعزب للحفاظ على جاذبيته بنظر الآخرين خلال فترة معينة. حتى لو لم يصل إلى حد الخيانة، يوحي سلوكه دوماً بالشك والقلق. هذا السلوك يولّد مشاعر الغيرة لدى المرأة.

في مجال الغيرة، يتوقف كل شيء إذاً على طريقة التعامل مع علاقة الحب وكيفية عيشها. الغيرة هي عاطفة تكشف عن شخصيتنا العميقة ومعنى وجودنا. في هذا السياق، قد تكون الغيرة بنّاءة شرط تحديد الأسباب التي تدفعنا إليها: إنها الإشارة التي تسمح بالعمل على تطوير الذات، تزامناً مع إدراك المصاعب التي تمنعنا من بناء روابط سليمة مع الطرف الآخر أو حتى مع ذاتنا.

نظرية فرويد

ميّز فرويد بين ثلاثة أشكال من الغيرة:

الغيرة التنافسية الطبيعية: يحمل الشريك بنظرنا صورة الأب أو الأم ويخشى الشخص الغيور في هذه الحالة أن يخسر حنان الأم.

الغيرة التي يتم إسقاطها على الشريك: يشك الشخص الغيور بالطرف الآخر لأنه يخونه أصلاً.

الغيرة الجنونية: بالنسبة إلى فرويد، إنه شكل من إنكار المثلية الجنسية، فيدعي الشخص أنه لا يحب الطرف الثالث لأنه رجل ويشك بأن زوجته تحبه!

حين تصبح مرضاً

لا بأس بعيش بعض الصراعات العابرة بسبب الغيرة خلال مرحلة معينة من الحياة لكن تصبح الحالة مقلقة إذا لم ينجح الفرد في وضع حد لهذه المشكلة، كأن يفشل مثلاً في التخلي عن شريك لا يكف عن خيانته أو يتخيّل أن الشريك يخونه بطريقة هوسية من دون أن يكون الأمر صحيحاً. قد يخسر الفرد بسبب هذا السلوك عمله وأصدقاءه. في الحالات المتطرفة، قد تتحول المشكلة تدريجاً إلى ذهان هستيري، ما يهدد التوازن النفسي، وهذا الوضع قد يدفع الشخص في أسوأ الأحوال إلى ارتكاب جريمة قتل أو الانتحار.

بغض النظر عن نوع الغيرة، يجب تحديد المشكلة في مطلق الأحوال. وفق الخبراء، حين يعترف الشخص بغيرته المفرطة، يكون قد تجاوزها! أما حالات الغيرة الحقيقية، فلا أحد يتكلم عنها!

يمكن العمل على تطوير الذات شخصياً أو بمساعدة مدرب أو معالج نفسي. الأهم هو الاعتراف بمشكلة الغيرة لأن المرأة التي لا تعترف بأنها تغار ستواجه مشاكل كبرى في المستقبل. كما أن الغيرة تميل إلى التفاقم والتراكم مع مرور الوقت إذا لم يتم الإفصاح عنها ومعالجتها. هذه الحالة قد تحول المرأة في نهاية المطاف إلى شخص مزاجي لا يطاق ويستحيل التعايش معه في الحياة اليومية. قد تكون الغيرة معاناة عقلية ونفسية، لكنها تشكل أيضاً مرضاً له قوة عاطفية مفرطة. لا بأس بقليل من الغيرة في العلاقات العاطفية، لكنّ الغيرة المفرطة ستدمر العلاقة الثنائية بطريقة لا يمكن إصلاحها.

جذور الغيرة

تتعدد جذور الغيرة:

الغيرة المرتبطة بتراجع تقدير الذات: قد تظن المرأة التي لا تقدّر قيمتها بما يكفي أن شريكها سيجد في غيرها امرأة أفضل منها لأنه لا يقدّرها أصلاً، لذا تشعر هذه المرأة بخطر دائم. هذه الحالة المؤلمة تشتق غالباً من نقص في الحب خلال الطفولة. باختصار، تشعر هذه المرأة بأنها لا تستحق حب أحد وبأن العلاقة التي تعيشها هي نتيجة غلطة ولن تكون قابلة للاستمرار.

الغيرة المرتبطة بالرغبة الشخصية بخيانة الشريك: قد لا تكون هذه الرغبة واعية لكن تشعر المرأة بانجذاب تجاه شخص آخر وتتوهم أن ذلك الشخص يبادلها الشعور.

الغيرة المرتبطة باعتبار الشريك كائناً مثالياً: في هذه الحالة، تعتبره المرأة مدهشاً وخارقاً لدرجة أن جميع النساء سيعجبن به حتماً. هي تُسقِط مشاعرها على الآخرين وتتخيل أن الجميع يشاركونها أحاسيسها.

الغيرة المرتبطة بتطوير الحب: تعيش المرأة في هذه الحالة معاناة فعلية لكنها تشعر في الوقت نفسه بأنها {حية} لأن الغيرة تثبت بحسب رأيها قوة حبّها. تنتابها مشاعر قوية وهي تحب ذلك.

الغيرة المرتبطة بتملّك الآخر: تشمل الغيرة عموماً هذا الجانب الذي يشتق من الحب ويجازف بالتحول إلى تملّك حقيقي. في هذه الحالة، لا تحب المرأة شريكها (لأن الحب شعور سخي ويريد سعادة الحبيب) بل تريده أن يكون ملكاً لها كي تشعر بالراحة. هي تريد امتلاكه كأي سلعة أخرى. لا تنظر هذه المرأة إلى الحب باعتباره فسحة من الحرية بل إنه أشبه بسجن. لذا تشعر بالغيرة ما إن يبدي شريكها أبسط رغبة في الحرية.

الغيرة المرتبطة بالخوف من الوحدة: تشعر هذه المرأة بأنها قد تموت إذا رحل شريكها. هذا القلق من الانفصال هو السبب الأصلي للغيرة الشرسة.

الغيرة المرتبطة بضعف كامن: هي تريد أن تترك له الحرية كي تثق به ويثق بها كي تعلم أنها تتمتع بالقوة اللازمة لتعيش وحدها.

يبقى أن ثمة أسباباً موضوعية للغيرة تنجم عن أحداث حقيقية وغير وهمية. إذا كان الشريك يخوض مغامرات عاطفية فعلاً، تكون معاناة المرأة مبررة وغير مَرَضية.

back to top