«الحشد» منقسم بين خامنئي والسيستاني
مرات عديدة أصدر المرجع الشيعي الأعلى في النجف علي السيستاني توصيات وضوابط تخص عمل آلاف المتطوعين الشيعة في تشكيلات «الحشد الشعبي» المثيرة للجدل في العراق، إلا أن المؤشرات تكشف أن تلك الفتاوى والمواقف الدينية لم تطبق.وجاء أكبر اختبار للتوازنات الملتبسة داخل الحالة الشيعية في ذروة معارك تكريت، حيث ظهر خلاف عميق بين التشكيلات الشيعية وجنرالات الجيش الحكومي، فأصدر السيستاني تعليمات توجب أن يخضع المتطوعون لأوامر الجيش، لكن ذلك لم يحصل. وحين توقف التقدم بسبب التحصينات المعقدة التي أقامها «داعش» في المدينة، اضطر رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى طلب إسناد جوي من الائتلاف الدولي، إلا أن معظم فصائل «الحشد» شعرت بالغضب وقررت تعليق مشاركتها العسكرية في العمليات.
ويوم الجمعة الماضي، أصدر السيستاني بياناً واضحاً طلب فيه من المتطوعين الشيعة أن ينسجموا مع السياسات التي تقرها الحكومة، وكان هذا طلباً واضحاً للعودة إلى المعارك وإسناد الجيش، لكن معظم الفصائل لم تعر آذاناً صاغية للسيستاني. وليس من الطبيعي أن يجري تجاهل فتاوى وتعليمات المرجع الديني في العراق، ويقول ساسة كبار إن هذا أمر مقلق بالنسبة للشيعة، خصوصاً أن المتجاهلين لأوامر النجف يبررون ذلك بأنهم يتبعون مرجعية دينية أخرى في طهران هي مرشد الثورة علي خامنئي، الذي يحاول إثبات أهليته للفتوى وسط تشكيك واسع بذلك، وهو تشكيك يتجاوزه عبر طيف عريض من أتباعه السياسيين الذين يرون فيه مرجعاً دينياً أيضاً.ولم يكن لخامنئي كمرجع ديني موطئ قدم واضح في العراق، لأنه لا يعد مرجعاً دينياً واسع الاتباع حتى في إيران، إلا أن الأحداث الأخيرة كانت قادرة على مزج الاعتبارات الدينية بالسياسية بنحو خطير، وجاءت المعارك لتكشف أن نحو نصف المتطوعين الشيعة (نحو 70 ألف عنصر) ينتمون لفصائل تتمسك بتعليمات خامنئي وتتجاهل رؤية السيستاني.ويدرك شيعة بارزون أن هذه المحطة تشهد أكبر صدام من نوعه بين النجف والقوى الإيرانية، لن تقتصر آثاره على سياسة بغداد والتسويات مع السنة والأكراد، بل ستتدخل نتائجها في تحديد أسهم ما يعرف بالمعتدلين الشيعة المعترضين على سياسة الاندفاع والتوسع التي تنتهجها طهران من الهلال الخصيب حتى عرش بلقيس اليمني.