ماشيين على البركة
انتقد تقرير "الشال" قرار مجلس الوزراء بمد عطلة عيد الأضحى إلى تسعة أيام، في دولة أكبر حكومة في العالم، التي يوجد فيها موظف حكومة من كل اثنين من المواطنين البالغين، واصفاً مثل هذا القرار، بأنه يمثل هبةً لموظف عالي التكلفة، ضعيف الإنتاج، وأنه في الوقت الذي تتسابق فيه دول "السنع" - الإضافة من عندي- على مضمار التنمية حين تستهدف هذه الدول "...المستقبل، أو من يستطيع أن يفوز بقصب السبق في رفع إنتاجيته وتطويع العلم لخدمة إنتاجيته"، نجد عندنا في إمبراطورية الموظف العام حالة تطويع البلادة والكسل لخدمة الحاضر على حساب مستقبل مجهول تحفه المخاطر. عطلة الأيام التسعة التي تعني "حشداً من البشر يتسابقون على حجز مقاعد السفر إلى الخارج"، كما يصورها "الشال"، تعني في الوقت ذاته أننا أمام سلطة رخوة عاجزة عن فهم تحديات الحاضر وأخطاره، وتعاني ضعفَ ذاكرة شديداً، ففي الوقت الذي طالبت فيه الناس قبل فترة قصيرة بشد الحزام، وحذّرت من بداية النهاية للكثير من امتيازات دولة الرفاه، وشددت على أهمية العطاء والإنتاج والاستعداد للتضحيات، نرى اليوم مثل هذا السخاء في دنيا "الربادة" الكويتية.
قرار مد إجازة العيد، كما حدث في عطلة "الفطر" الماضية، قد لا يعني الكثير في الإضافة أو الانتقاص من رصيد الإنجازات الحكومية "مادياً"، لكنه يخبرنا عن فكر ومنهج إدارة الدولة، وقدرات هذه الإدارة لمواجهة القادم. مد إجازة العيد أو عدم مدها، لا يعني أمراً كبيراً في دولة هي في إجازة ممتدة حكماً طوال العام، فمادامت "السياسة والاقتصاد في إجازة"، كما كتب في تسعينيات القرن الماضي كاتب في "فورن افيرز" واصفاً حال الدول الخليجية في ذلك الوقت، فلن يعني مد إجازة العيد إلى تسعة أيام أو تسعة أشهر قضية كبرى عند غير المكترثين وغير القلقين على مستقبل الوطن، وكأن أحوال دولنا لم تتغير في الـ20 سنة الماضية، بل ظلت على جمودها وخمولها الريعي، وظلت سياسة الدينار في الداخل- على وزن دبلوماسية الدينار في العلاقات الخارجية- هي المتحكمة في الفكر الحكومي.فما الاختلاف في أن تهب السلطة المال للمواطنين بمناسبة وبدون مناسبة مقابل تناسي عقود وهبات الفساد، أو تهبهم إجازات دون حساب، فطائرة الترضيات وصفقات شراء الود والصمت واللامبالاة تمضي في سماء حالكة السواد من دون ومضة نور، أو بصيص ضوء يرينا كيف تنتهي رحلة المجهول، فالركاب لاهون باللعب والهدايا التي قدمها لهم طاقم الطائرة. في مثل ظرفنا هذا، والتحديات "الوجودية" تحوم فوقنا، وأشدد على كلمة وجودية، بمعنى أنها تهدد وجود الدولة كلها، يمكن أن نقرأ المستقبل القريب بكل سوداوية، ويأس لو ظل هذا الفكر متسيّداً في إدارة الدولة، فهو لم يصلح في أيام الرخاء الماضية، ولا يصلح الآن في بداية وقت الضيق، ولن يصلح غداً حين نصير في بؤرة العاصفة.