الإفراط في استخدام المادة الرابعة من قانون أمن الدولة من قبل الأجهزة الأمنية في ملاحقة بعض الكتاب والمغردين في شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر» فتح شهية بعض السفارات الموجودة في البلاد لتعقب الكتاب والمغردين وشكايتهم لدى أجهزة التحقيق مباشرة أو عن طريق وزارة الخارجية، بل ودفع مبدأ «الشكاية» إلى تجرؤ عدد من السفارات على تعقب معارضيها السياسيين الموجودين في الكويت أو خارجها لمجرد الاختلاف مع سياسات بلدانهم في الرأي والفكر، وهو أسلوب برأيي لا يمكن السكوت عليه ولا قبوله!

Ad

حرية الرأي والتعبير والفكر من الحريات التي كفلها الدستور وعناها بكثير من الاحترام والتقدير، لكونها من الحريات اللصيقة بالإنسان، وأكد الدستور ابتداءً على ممارستها كأصل طليق من أي قيد، وأوصى بعدم المساس بها في حال تنظيمها بما يعوق ممارستها، لأن تنظيمها استثناء، والاستثناء لا يجور على الأصل، ولا يجوز أن يعوق ممارسته.

ومثلما تكون الحريات مكفولة للمواطنين فإنها مكفولة أيضاً للمقيمين، لكونها من الحقوق الطبيعية لكل إنسان، وبالتالي فملاحقة الكتاب والصحافيين والمغردين من داخل الكويت وخارجها من قبل عدة سفارات للحد من حقوقهم أمر لا يتعارض فقط مع الدستور الوطني، بل يتعارض مع المواثيق الدولية التي انضمت إليها تلك البلدان والتي تحرك سفاراتها تلك الشكاوى إلى جهات التحقيق.

الأمر الآخر الذي يستلزم التنبه إليه هو أن هذا النوع من الشكاوى يحمل خلفه معارك تتخذها بعض الدول ضد معارضيها السياسيين الهاربين منها أو المبعدين عنها، لكونهم عبروا عن آرائهم في سياساتها الخارجية او الداخلية، ومثل هذا الاستغلال السياسي لأرض الكويت وقضائها أمر يجب التنبه إليه جيداً، لكونه مدفوعاً بغايات هدفها إخراس المعارضين الداخلين لتلك الدول عن طريق السفارات الخارجية، ومثل هذا الإخراس الذي يكون عبر الملاحقات القضائية أمر لا يمكن قبوله بأن تكون الكويت عوناً لتلك الدول لملاحقة معارضيها تحت دعوة «أحقية اللجوء الى القضاء!».

الأمر الأهم برأيي، وهو: هل تقوم سفارات الكويت الموجودة في كل البلدان بتعقب منتقديها في صحف وفضائيات تلك الدول وبشبكات تواصلها المختلفة وتقوم بمقاضاتهم كما تفعل السفارات الموجودة في الكويت؟ أم أنها تكتفي برسائل الاستياء لوزارات خارجية تلك الدول لما يكتب عنها وأشك أيضاً في قيامها بذلك؟

قرأت كغيري تطاول العديد من الكتاب والمذيعين والمغردين المنتسبين إلى دول خليجية وعربية على أعلى الرموز في الكويت، بل وإطلاقهم عبارات التهديد والوعيد والتهكم والسخرية، وفي المقابل، لم أسمع أنا وغيري أنهم أحيلوا إلى التحقيق أو أن جهات التحقيق قررت حبسهم أو أن قضاء أوطانهم انتهى إلى معاقبتهم بالحبس لتعديهم أو تطاولهم على الكويت أو قيادتها، أم أن وزارة خارجيتنا هي الوحيدة التي تنصت إلى طلبات تلك السفارات وأجهزتنا الأمنية هي الوحيدة التي تعمل من بعدها، فتحيل الأمر إلى النيابة ومن بعدها المحاكم الجزائية!

لا يمكن القبول اليوم بكمية الإحالات إلى النيابة العامة لمجرد التعبير عن الرأي ولمجرد الاستياء من هنا وهناك، فالحرية أسمى من استياء دول لا تعي معنى للحرية ولا تقيم للدساتير وزناً، ولا يمكن القبول أيضاً بأن يفرض علينا نظام تلك الدول وسياساتها الداخلية تحت ذريعة «العلاقات»، فللكويت خصوصية في المنطقة يجب أن تعيها تلك الدول، وتحترمها مثلما تحترم الكويت خصوصيتها!