عن الحاجة إلى مشروع نهضوي جديد

نشر في 08-12-2014
آخر تحديث 08-12-2014 | 00:01
أمامنا الآن طريقان لا ثالث لهما، إما مواصلة السير في الطريق الحالي رغم معرفتنا بنهايته الفاشلة لأن معادلته السياسية خاطئة، وأساليبه متهالكة، وأدواته تقادمت وعفا عليها الزمن، أو تغيير المسار والبدء بمشروع سياسي نهضوي جريء يجدد المعادلة السياسية الحالية ويستكمل بناء دولة مدنيّة دستورية أكثر عدلاً وديمقراطية ومساواة.
 د. بدر الديحاني لم يعد الحديث عن حاجتنا الماسة إلى مشروع سياسي نهضوي جديد ترفاً أو حديثاً عابراً غير ذي جدوى، فكل شيء حولنا يؤكد حاجتنا إلى ذلك بدءاً من الانقسام المجتمعي الحاد وغير المسبوق، واهتزاز الثقة الشعبية بالسلطة التشريعية، وفوضى العمل السياسي، وصولاً إلى ارتباك الحكومة وتناقض تصريحات أعضائها ووضوح عدم قدرتها على التعامل الجدي مع تداعيات انخفاض أسعار النفط على المستوى العام للمعيشة وعلى مستقبلنا الاقتصادي، ومروراً بتردي الخدمات العامة الضرورية والفشل الذريع لما سُمي «خطة التنمية»، فضلاً عن انحسار التأييد الشعبي للحكومة وتخبط قراراتها التي سرعان ما تتراجع عن بعضها بشكل يثير الاستغراب والاستهجان معاً، لأنها تُبنَى غالباً على اجتهادات فردية لمسؤولين عموميين، ليس فقط لا يعرفون مبادئ العمل الإداري الصحيح، بل أيضاً لا يفقهون «ألف باء» السياسة وأصول العمل العام.

أمامنا الآن طريقان لا ثالث لهما، إما مواصلة السير في الطريق الحالي رغم معرفتنا بنهايته الفاشلة لأن معادلته السياسية خاطئة، وأساليبه متهالكة، وأدواته تقادمت وعفا عليها الزمن، أو تغيير المسار والبدء بمشروع سياسي نهضوي جريء يجدد المعادلة السياسية الحالية ويستكمل بناء دولة مدنيّة دستورية أكثر عدلاً وديمقراطية ومساواة، بحيث ينقل الدولة ومؤسساتها نقلة نوعية مثلما فعل مشروع تحديث الدولة الذي بدأ مع بداية العهد الدستوري وجعل الكويت آنذاك مثالاً يحتذى به في المنطقة على كل الصُّعُد.

ومن سوء الحظ أن الوقت ليس في صالحنا فقد تأخرنا كثيراً، وكل يوم يمر تكلفته باهظة على الجميع، فالوضع الحالي سيئ رغم مساحيق التجميل التي تضعها عليه جوقة المُطبّلين والمُنافقِين والانتهازيين الذين لا مبادئ لهم على الإطلاق سوى المصلحة الذاتية الرخيصة، فهم يغيرون جلودهم باستمرار ويتقلبون مع تقلب أسعار صرف العملات.

وفي هذا السياق، من الوهم، كما ذكرنا سابقاً، تصور أن وجود أجهزة شكلية بمسميات شعبية قد يحل المشكلة، فالناس لديهم القدرة على التمييز بين الأجهزة الصورية والمؤسسات الدستورية الفعلية، أما الأساليب والأدوات القديمة التي كانت تُستخدم للتحكم في سلوك الناس وتوجيههم فقد ضعفت القدرة على استخدام بعضها، مثل المال السياسي مع انخفاض أسعار النفط، وانتهت صلاحية بعضها الآخر مثل الإعلام الموجّه الذي لم يعد يتناسب مع عصر التقدم التكنولوجي الهائل وجيل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

المشروع السياسي النهضوي الجديد يتطلب أشياء عديدة، أهمها وجود إرادة سياسية والتزام جدي بالأطر الدستورية ووجود قيادة نوعية جديدة تعترف بأخطاء الماضي وتعمل على تصحيحها، فضلاً عن معرفتها بمتطلبات المرحلة وكيفية الاستفادة من الإمكانيات البشرية والمالية من أجل تغيير نمط الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد منتج، وربط التعليم ومخرجاته بالمشروع السياسي الجديد، بحيث يكون لدينا تعليم نوعي وعصري.

غياب المشروع النهضوي الجديد سيجعلنا نواصل الدوران في حلقة مُفرغة تستمر معها حالة المراوحة السياسية الحالية، والتراجع التنموي، والفشل في إدارة شؤوننا العامة بشكل صالح ورشيد، وبالتالي لن يكون باستطاعتنا تغيير نمط الاقتصاد الوطني وإعادة هيكلته أو إصلاح التعليم وتنمية القوى البشرية، بحيث يتم تنويع مصادر الدخل القومي من أجل تحقيق تنمية إنسانية مستدامة.

back to top