اكتفت محكمة «التمييز» بتعويض مدير سابق لأحد المستشفيات التابعة لوزارة الصحة بمبلغ 9 آلاف دينار، ورفضت أحقيته في تعويض الوزارة له بمبلغ 30 ألف دينار، لعدم صحة الأسباب التي استند إليها حكم محكمة الاستئناف في تقرير هذا المبلغ.

Ad

كانت محكمة أول درجة قضت بتعويض المسؤول الصحي بعد أن قضت له بالعودة إلى وظيفته بمبلغ 9 آلاف دينار عن الأضرار التي أصابته من قرارات وزارة الصحة، لكنه بعد طعن الوزارة ممثلة بإدارة الفتوى والتشريع في الحكم الصادر من محكمة أول درجة استأنف المسؤول الصحي الحكم الصادر من محكمة اول درجة فرعيا، وطلب الحكم له بمبلغ 50 ألف دينار، الا ان محكمة الاستئناف قابلت طلباته بالتعويض له بمبلغ 30 ألف دينار بدلا من 50 الفا التي طالب بها، ورفضت الاستئناف طعن «الصحة».

وبعد صدور حكم «الاستئناف» بأحقية المسؤول السابق طعنت الحكومة ممثلة بوزارة الصحة على الحكم امام محكمة التمييز مستندة إلى عدم صحة الحكم الصادر من «الاستئناف»، وذلك لعدم بيان «الاستئناف» أسباب رفع التعويض الصادر لمصلحة المسؤول الصحي رغم انه لم يثبت اية اضرار تبرر تلك الزيادة بمبلغ التعويض.

وقالت «التمييز» برئاسة المستشار جمال العنزي في حيثيات حكمها البازر، ان حكم «الاستئناف» اخطأ في الحكم الصادر برفعها للتعويض دون ان تبرر اسباب رفعه، كما ان حكم محكمة الاستئناف اخطأ في الحكم للمسؤول الصحي بطلبات جديدة لم تثر في صحيفة افتتاح الدعوى القضائية التي رفعها بمبلغ لم يتجاوز 9 آلاف دينار.

وتتحصل وقائع القضية في أن المطعون ضده المسؤول الصحي السابق اقام على الطاعنين بصفتهما وزير الصحة ووكيل وزارة الصحة القضية التي طلب فيها الحكم بالزامهما بأن يؤديا له مبلغ (5001 د.ك) على سبيل التعويض المؤقت، وقال بيانا للدعوى انه يعمل بوزارة الصحة بوظيفة مدير مستشفى تخصصي، وقامت الوزارة بترقية بعض زملائه الى وظائف مدير منطقة صحية وتخطته في هذه الترقية رغم تميزه عنهم في الاقدمية والكفاءة، مما حدا به الى اقامة قضية وصدر فيها حكم بإلغاء القرار فيما تضمنه من تخطيه في الندب لوظيفة مدير منطقة صحية، وما يترتب على ذلك من اثار، واستأنفت الادارة هذا الحكم وقضي فيها بانتهاء الخصومة لقيام الجهة الادارية بندبه لوظيفة مدير منطقة صحية.

 واضاف المدعي ان قرار الجهة الادارية الخاطئ بتخطيه في الترقية الذي قضي بالغائه اصابه باضرار مادية تمثلت في حرمانه من فروق الرواتب والبدلات والمكافآت المقررة لوظيفة مدير منطقة خلال عامين، وذلك بمبلغ ستة آلاف دينار، اضافة الى مبلغ خمسة الاف دينار لقاء ما المّ به من اضرار ادبية، ومبلغ اربعة الاف دينار مقابل اتعاب محاماة فعلية.

وازاء ذلك قضت محكمة اول درجة بالزام المدعى عليهما ان يؤديا للمدعي مبلغ ثمانية الاف دينار تعويضا نهائيا ومبلغ ألف دينار اتعاب محاماة فعلية.

واستانفت الجهة الادارية هذا الحكم طالبة الغاءه ورفض الدعوى، وقدم المستأنف ضده استئنافا فرعيا طلب فيه زيادة التعويض الى خمسين ألف دينار، وقضت محكمة الاستئناف بزيادة التعويض الى ثلاثين ألف دينار.

وطعنت الجهة الإدارية على هذا الحكم بطريق التمييز، وأودعت نيابة التمييز مذكرة ارتأت فيها الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا، وإذ عرض الطعن على هذه المحكمة في غرفة المشورة حددت جلسة لنظره وفيها صمم كل طرف على طلباته والتزمت النيابة رأيها السابق.

وقالت «التمييز» في حيثيات حكمها انه من بين ما تنعى به الجهة الادارية على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون والقصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالارواق حين قضى بتعديل التعويض بالزيادة الى ثلاثين الف دينار دون بيان اعتبارات هذه الزيادة وعناصرها ودون مراعاة ان يكون التعويض مكافئا للضرر دون غلو او اسراف حتى لا يثرى المضرور بغير سبب على حساب الادارة وهو ما يعيب الحكم ويستوجب تمييزه.

واضافت المحكمة ان هذا النعي في محله، ذلك انه من المقرر في قضاء هذه المحكمة - ان مناط مسؤولية الادارة عن القرارات الادارية هو الخطأ الذي يتمثل في اصدار قرار اداري غير مشروع، ومدى توافر الضرر الموجب للمسؤولية وعلاقة السببية بينه وبين الضرر، وتحقيق ذلك هو من الامور الواقعية التي تدخل في سلطة محكمة الموضوع بغير معقب عليها في تقديره، ما دام استخلاصها سائغا مستمدا مما له اصل في الاوراق.

 كما انه من المقرر ايضا انه ولئن كان تقدير التعويض الجابر بنوعيه المادي والادبي متى قامت اسبابه ولم يكن في القانون نص يتعين على مقتضاه التزام معايير او طرق معينة في خصوصه هو من سلطة محكمة الموضوع بغير معقب عليها في ذلك متى ابانت عناصر الضرر وقدرت التعويض الجابر له، واعتمدت في تقديرهما على اسباب سائغة معقولة لها اصل ثابت بالاوراق.

وانه لدى القضاء بالتعويض في مجال الوظيفة العامة يتعين اجراء موازنة عادلة بين مسؤولية الادارة وهي بصدد ممارسة الاختصاص التقديري في الترقية وغيرها وبين حقوق العاملين الذين اصابهم ضرر من خطأ الادارة التقديري، ثم جبره عينا بتصحيح هذا الخطأ، ومالا بتعويضهم عما فاتهم من رواتب وبدلات ومكافآت والتي لا تترتب تلقائيا كأثر للإلغاء، وانما تخضع لاعتبارات اخرى اهمها ان الحق يقابله واجب، وهو اداء العمل الموجب للمرتب او المكافأة ويكفي في تقدير التعويض الأدبي ان يكون بالقدر الذي يواسي المضرور ويكفل رد اعتباره بغير غلو او اسراف، وان يرمز الى الغاية منه تبعا لمن يتبين من الظروف الملابسة وواقع الحال.

 وانه ولئن كان تعديل قيمة التعويض بالزيادة او النقص مما يدخل في السلطة التقديرية لمحكمة الاستئناف الا ان شرط ذلك ان تكون قد أوردت الاعتبارات التي استندت اليها في ذلك، والتي من شأنها ان تؤدي الى النتيجة التي انتهت اليها.

واضاف المحكمة قائلة كما ان القاعدة هي ان الاستئناف ينقل الدعوى الى محكمة الدرجة الثانية بحالتها التي كانت عليها قبل صدور الحكم المستأنف بالنسبة لما رفع عنه الاستئناف فقط بما لا يجوز معه لتلك المحكمة ان تتعرض للفصل في امر غير مطروح عليها، او ان تفصل في طلبات جديدة لم تكن مطروحة امام اول درجة.

ولما كان ذلك وكان الثابت ان المطعون ضده قد حدد في صحيفة افتتاح الدعوى التعويض الذي يطالب به ماديا بمبلغ ستة آلاف دينار وادبيا بمبلغ خمسة الاف دينار ومبلغ اربعة الاف دينار مقابل اتعاب المحاماة الفعلية، وهو اقصى ما كان يتمنى القضاء له به، وسارت مراحل نظر الدعوى امام المحكمة الابتدائية على ذلك الى ان قضت بأحقيته في التعويض وقدرته بما لها من سلطة تقديرية كمحكمة موضوع من واقع الدعوى وملابساتها بمبلغ ثمانية آلاف دينار ومبلغ الف دينار اتعاب محاماة فعلية.

 إلا انه لدى نظر الاستئناف الذي اقامته جهة الادارة تقدم المطعون ضده باستئناف فرعي طالب فيه بزيادة التعويض إلى خمسين ألف دينار دون أن يكون لهذا الطلب وجود في صحيفة افتتاح دعواه ومراحل نظرها مما يعد هذا الطلب من حيث زيادة مبلغ التعويض والاتعاب الفعلية عن مبلغ خمسة عشر ألف دينار طلبا جديدا امام محكمة الاستئناف لا يجوز لها التعرض للفصل فيه.

 الا أنها خلافا لذلك قضت بزيادة مبلغ التعويض والاتعاب الفعلية الى ثلاثين ألف دينار ودون بيان لعناصر هذه الزيادة والامتيازات الوظيفية التي حرم منها والتي من شأنها ان تؤدي الى النتيجة التي انتهت اليها وما ساقته محكمة الاستئناف من اول وظيفة الطبيب تمثل قيمة انسانية وعلمية وحضارية لا تبرر هذه الزيادة، لان لذلك تقديره في مجال الاداء الفني لا في المجال الاداري.

 ومن ثم فإن حكمها قد بني على استخلاص غير سائغ لا ظل له او ظليل يسانده من الاوراق بما يبطله ويوجب تمييزه.

وقالت المحكمة «وحيث انه عن موضوع الاستئناف والاستئناف الفرعي المقدم من المطعون ضده فهما صالحان للفصل فيهما، وفي ضوء ما تقدم وكان ما انتهى اليه الحكم المستأنف من تعويض المستأنف ضده بمبلغ ثمانية آلاف دينار والف دينار مقابل اتعاب المحاماة الفعلية لا مخالفة فيه للقانون، وفي حدود سلطة محكمة الموضوع في تقدير التعويض باستخلاص سائغ له معينه الثابت بالاوراق ويؤدي الى النتيجة التي انتهى اليها مما يتعين معه القضاء بتأييده ورفض الاستئنافين.