من ظن واهماً أن السعادة كامنة في رضا الناس على حساب دينه أغضب ربّ الناس وكانت سعادته باباً سريعاً لسخط الناس عليه، ومن ابتغى السعادة برضا الله فإنه سعيد لا محالة في الدنيا والآخرة، وسيجد حلاوة الإيمان ولذة الطاعة في شغاف قلبه وطيات نفسه.
هناك فرق جوهري بين أن تنبع السعادة من داخل الإنسان وفقاً لمنظومة أفكاره وقناعاته وأفعاله الناتجة عنها، وأن يظل منتظراً لها على أمل أن تأتيه من الخارج بواسطة مخلوق آخر، كائناً من كان أو ما كان، لهذا يخطئ الواحد منا كثيراً عندما يبحث عن السعادة خارج نفسه، وبالأخص عند من لا يملك أن يعطيها له على كل حال. عندما يربط المرء سعادته مثلاً بشخص معين أو بوظيفة محددة أو بظروف معيشية بعينها، فإنه يقيدها بما هو خارج عن سيطرته تماماً حينئذ، ليصبح مهدداً على الدوام بزوالها، ولهذا فإن الحقيقة الراسخة التي أدركها الحكماء منذ القديم هي أن مفتاح السعادة الحقيقية بيد كل إنسان منا لو هو أدرك هذا تماماً وأحسن التصرف بمقتضاه.ومادام الأمر كذلك، فمن الذي يمنعك أن تكون سعيداً الآن؟ إن كنت ممن قيدوا سعادتهم بالظروف الخارجية أو بالآخرين فإنك أنت من حرم نفسه السعادة، ولا أحد سواك!تفكرتُ كثيراً في مضامين ودلالات السعادة، ولعلي قضيت شطراً كبيراً من حياتي الماضية، ولا أزال، في هذه الرحلة التأملية، على أمل أن أستدل على الطرق والوسائل الكفيلة بأن تجعلني مصدراً لسعادة نفسي في المقام الأول وسعادة الآخرين من حولي تالياً، فتوصلت، بعدما تقلبت كثيراً، أن الأمر يدور في المدارات التالية على الجملة.أولاً، عليك أن تكون على اتصال وثيق بخالقك العظيم سبحانه، ولا سبيل لأن يتحصل المرء على رضا الله كسبيل التقرب إليه بما افترضه عليه، ومن ظن واهماً أن السعادة كامنة في رضا الناس على حساب دينه أغضب ربّ الناس وكانت سعادته باباً سريعاً لسخط الناس عليه، ومن ابتغى السعادة برضا الله فإنه سعيد لا محالة في الدنيا والآخرة، وسيجد حلاوة الإيمان ولذة الطاعة في شغاف قلبه وطيات نفسه.ثانياً، عليك أن تتقبل ذاتك. أحبب هذا الشخص الذي أنت هو كما هو، لأنك أكرم المخلوقات، وجعلك الخالق خليفته في الأرض، وما كان الله، عز وجل، ليعطي هذه المهمة الجليلة، خلافته لعمارة الأرض، إلا لمن هو أهلٌ لها. كل شخص منا لديه الأدوات والقدرات اللازمة للقيام بدوره الاستخلافي المكتوب عليه، لكنه بحاجة دائماً وقبل أي شيء إلى التعلم والتدرب حتى يكون جاهزاً للعمل. من لا يدرك هذا الأمر ولا يعمل بمقتضاه، ارتضى لنفسه أن يرعى مع الهمَل.ثالثاً، تحمّل مسؤولية حياتك بكل تفاصيلها، فمن يتهرب على الدوام من تحمل المسؤولية عن إخفاقاته وفشله فيلقي باللائمة على الظروف تارة وعلى الآخرين تارة أخرى، يسلك مسلك الجبناء والمتخاذلين، أولئك الذين لا يجرؤون على مواجهة حقيقة تكاسلهم وتقصيرهم وأخطائهم، ولا يرغبون في العمل الجاد لتغيير واقعهم الرديء نحو الأفضل... إلى اللقاء.
مقالات
المدارات الذهبية للسعادة الدائمة (1-2)
13-11-2014