حتى مرجعية النجف تبدو قلقة من جداريات عملاقة لقادة الميليشيات ورايات متكاثرة للتشكيلات المسلحة تغزو المدن المحررة من تنظيم "الدولة الإسلامية - داعش"، وتبعث برسالة خاطئة للداخل السني والخارج الإقليمي والدولي.

Ad

من يدخل بغداد ذاتها، يجدها غير المدينة التي عرفها قبل سنة أو سنتين، فلم تكن تجد في الشوارع والتقاطعات، سوى ما ندر، إلا صور الشخصيات الأربع الرئيسية في الدين والسياسة، أما اليوم فلا تكاد ترى صورة لرئيس الحكومة حيدر العبادي، ولا حتى للمرجع الديني الأعلى علي السيستاني، لأن الصور العملاقة التي احتلت أهم شوارع العاصمة، تعود لقادة ميليشيات مقربين من طهران، لم يكن لهم أي وزن حتى قبل بضعة أشهر.

ويخيل للصحافيين الأجانب وبعض الزائرين أن الأشخاص الذين يظهرون في هذه الصور المنتشرة بهذه العناية والكثافة، هم الأكثر تأثيراً في القرار العراقي، ويبدؤون بالبحث عن طريقة للاتصال بهم أحياناً، لكن الأوساط السياسية تعلم أن "لعبة الصور" والملصقات هذه، مجرد محاولة من طهران لـ"خلق طبقة سياسية شيعية جديدة" تتكون من شباب مقاتلين ليست لديهم خبرة سياسية، ولا علاقات جيدة مع الغرب أو الشرق، ويمكن لطهران أن تتحكم بهم بالكامل.

وتقول الأوساط السياسية، إن طهران "منزعجة" من طاقم السياسيين المتعلمين الشيعة الذي نجح في تنحية رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ولايزال يصر على إيجاد توازن بين دور كل من طهران وواشنطن، لذلك يحاول الإيرانيون الترويج لمقاتلين شباب متطرفين يمكن أن يحصلوا على أصوات كثيرة في الانتخابات المقبلة، وأصبح الأمر جدياً للغاية حتى أن مرجعية النجف حذّرت في خطبة الجمعة الأخيرة من رفع هذه الصور ورايات الميليشيات أثناء الحرب مع "داعش".

وتخشى النجف أن تكون هذه الرموز رسالة سيئة للأهالي السنّة في تكريت والموصل والأنبار، الذين يشككون في نوايا الميليشيات وإيران، كما لا تريد النجف أن تقترب بغداد من طهران إلى تلك الدرجة التي تثير غضب الدول الكبرى وتخرب العلاقات الواعدة مع الغربيين، أو تطيح بمحاولات التطبيع مع المحيط السنّي.

لكن النجف تخشى كذلك من قادة الميليشيات الجدد الذين كانوا قريبين من نوري المالكي ضد السياسات الإصلاحية التي دعمها السيستاني، والذين يمثلون مصالح شريحة مختلفة هي في صراع على النفوذ مع معتدلي الشيعة الطامحين إلى سياسة تهدئة داخلية وخارجية، تضمن نجاحاً للحرب على الإرهاب واستقراراً سياسياً في مرحلة ما بعد "داعش".