فجر يوم جديد: {ليالٍ عربية}
جنباً إلى جنب مع مسابقات «المُهر»، التي تحظى باهتمام مبدعي السينما في الخليج والمنطقة العربية، بسبب ضخامة القيمة المالية المخصصة لجوائزها (نحو 576 ألف دولار أميركي)، تتيح إدارة مهرجان دبي السينمائي الدولي فرصة ذهبية، من خلال برنامج «ليال عربية»، لمتابعة أحدث أفلام مخرجي العرب في المهجر، بالإضافة إلى تجارب المخرجين الأجانب، الذين يمثل الواقع العربي هاجساً بالنسبة إليهم، وتبدو قضايا الراهن العربي وثيقة الصلة باهتماماتهم.يحقق برنامج «ليال عربية» الهدف الذي أقيم المهرجان لأجله «بناء جسور ثقافية وحضارية، وتدشين منبر للحوار الثقافي بين الشرق والغرب، وبين العالم العربي وبقية شعوب الأرض». ومن دورة إلى أخرى تتحول «ليال عربية» إلى وجبة شهية تروي ظمأ رواد المهرجان، وتُغري عشاق السينما الحقيقيين بالتجاوب مع الرسائل والأفكار التي تبثها تلك التجارب المثيرة، فمن هولندا يأتينا المخرج جان ويليم فان إيويك بفيلم «الأطلنطي»، الذي يروي علاقة الصياد «فتَاح» براكبي الأمواج الأوروبيين الذين يقصدون قريته الصغيرة الواقعة على شواطئ المحيط الأطلنطي، ويتحوَّل بسببهم إلى راكب أمواج، لكنه يتمرَّد على حياته في القرية، ويمتطي لوح ركوب الأمواج، ويحمل حقيبته الصغيرة على كتفيه، ويتجه إلى أوروبا. أما فيلم «مردان»، إخراج باتين قوبادي فيتخذ من إقليم كردستان محوراً لأحداثه، من خلال التنقيب في حياة أشخاص تسكنهم الأسرار، من بينهم «مردان»، الذي يؤرقه الشعور بالذنب بينما يوظف المخرج شريف كورفر «سمير» بطل فيلم «الدخيل»، المولود في هولندا لأب مغربي وأم هولندية، لفضح ما يجري في مجتمعات المهاجرين في أوروبا. وترصد المخرجة اللبنانية نادين نعوس في فيلمها «هوم سويت هوم» رحلة عودتها إلى لبنان بعد علمها بالمصاعب المالية التي يواجهها والدها، في ظل الأحداث التي تشهدها لبنان في الآونة الأخيرة، والمتغيرات السياسية التي أدت إلى عودة المجتمع إلى الوراء.
الهم العربي يتخذ أشكالاً واتجاهات مختلفة، فالقضية الفلسطينية تجد طريقها إلى المشاهد، عبر أربع تجارب، أولها فيلم «زمن معلّق»، الذي جاء نتاج توجيه الدعوة إلى تسعة مخرجين فلسطينيين هم: مهدي فليفل، عرب ناصر، أسمى غانم، أيمن الأزرق، أمين نايفة، علاء العلي، مهند صلاحات، عاصم ناصر ويزن الخليلي، بغض النظر عن مكان تواجدهم، ليقدموا رؤاهم في {اتفاقية أوسلو} بعد عشرين عاماً من توقيعها، وتتكرر التجربة الجماعية في الفيلم الفلسطيني {جنود مجهولون} المؤلّف من ثمانية أفلام قصيرة أخرجها شبان في تجاربهم الإخراجية الأولى هم: روان التميمي، جابر أبو رحمة، محمود الهذالين، أحمد عمرو، سارة دحيدل، حمزة خليفة وعدي الطنب، وتتمحور حول كيفية مقاومة الاحتلال بلا عنف (!) أما الفيلم الثالث فيحمل عنوان {قهوة لكل الأمم} وفيه ترصد المخرجة وفاء جميل ما تعرضت له عائلة {عبد}، التي أجبرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على مغادرة قريتها، والإقامة في مخيم. لكن {عبد} يُصر على العودة إلى القرية، ويستعيد ملكيته لأرضه. وفي فيلم {أنا مع العروسة} يقدم الشاعر الفلسطيني السوري خالد سليمان الناصري واثنان من الصحافيين الإيطاليين فيلما وثائقياً خاصاً يحكي قصة نجاحهم في تهريب خمسة مهاجرين سوريين وفلسطينيين إلى السويد.في سياق آخر، تمثل الحرب في سورية محوراً للفيلم الوثائقي {مسكون} للمخرجة السورية لواء يازجي، التي تتوقَّف من خلاله عند علاقة السوريين ببيوتهم أثناء الحرب، ومعنى البيت واقعاً ومجازاً، وشعور المرء حين يُجبر على مغادرة بيته، وتوجز المخرجة رسالة الفيلم قائلة: {أوّل ما يخطر على بالنا عند انفجار قذيفة هو الهرب، ولاحقاً ندرك أننا لم نلتفت لنتذكر ونعاين ما خلفّناه وراءنا، لم نودّع بيوتنا وذكرياتنا وصورنا وهويتنا وكل الحياة التي عشناها بين جدران تلك البيوت}. وفي عزف آخر على وتر الذكريات، يسرد المخرج الإماراتي علي مصطفى في فيلمه {من ألف إلى باء} حكايات عن أصدقاء الطفولة، الذين فرقت السنون بينهم، ولما حانت اللحظة اجتمعوا في {أبو ظبي} قاصدين، عبر الطريق البري، العاصمة اللبنانية بيروت، لزيارة ضريح صديقهما الذي انتقل إليها قبل خمسة أعوام، لكنه لقي حتفه في يوليو 2006 أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان.نجاح برنامج {ليال عربية} مرهون بتفاعل الجمهور مع الرؤى والأصوات الجديدة، كونه يتيح، حسبما وصفه مسعود أمر الله آل علي المدير الفني للمهرجان، {التعرف إلى مقاربات سينمائية لما يعيشه الإنسان العربي داخل العالم العربي أو خارجه، ويقدم رواية موازية للراهن، لها رؤيتها وعوالمها وقصصها بما يجعل من البرنامج فرصة خاصة لرصد المتغّير في الشخصية العربية، وفقاً للمتغير حولها، من دون أن يفوتنا استدعاء ذلك لطرق وأساليب فنية تتناغم مع كل موضوع تتناوله الأفلام أو أية حكاية ترويها}.