زخم إعلامي ضخم رافق عملية انفراد الحكومة بتعديل النظام الانتخابي وتغييرها للمعادلة السياسية المعمول بها وفقاً للدستور، ما أدى إلى تضييق قاعدة المشاركة الشعبية في اتخاذ القرار وامتداد نفوذ الحكومة ليشمل السيطرة على السلطة التشريعية، وهو ما يتعارض مع أسس النظام الديمقراطي، مثلما نصت عليه المادة (50) من الدستور المتعلقة بفصل السلطات، والمادة السادسة التي تنص على أن "نظام الحكم في الكويت ديمقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً".
وبالإضافة إلى الدعاية الإعلامية كانت التصريحات الرسمية "تُبشّر" منذ تعديل النظام الانتخابي، أي منذ قرابة ثلاثة أعوام بإنجازات تنموية "غير مسبوقة" واستقرار سياسي، إلا أن الأمور على المستويات كافة، سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، سارت ومازالت بعكس ما كان يقوله الإعلام المُوجّه وما كان يُروّج له مؤيدو القرار الحكومي المنفرد، فالوضع العام في تراجع مستمر والجميع، من دون استثناء، غير راضٍ عنه، وإن بدرجات متفاوتة ولأسباب مختلفة، الأمر الذي يعني أن تغيير المعادلة السياسية نتائجه سلبية، وأن الإصلاحات السياسية والدستورية مُستحقّة، فبدونها لا يمكن إنجاز أية إصلاحات حقيقية في أي مجال من المجالات، سواء الاقتصادية أو الرياضية أو غيرهما.من هذا المنطلق، فإن وقف التراجع التنموي ومواجهة التحديات الإقليمية والدولية يتطلبان تقديم مشروع إصلاح سياسي شامل، أي حزمة إصلاحات سياسية ودستورية تُصحح الأخطاء وتستكمل بناء الدولة المدنية الحديثة، إذ كلما تأجلت الإصلاحات المستحقة زادت كلفتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، خصوصاً مع الحاجة الماسة هذه الأيام إلى إصلاحات اقتصادية تخفف من تداعيات انخفاض أسعار النفط واحتمال عجز الموازنة العامة، وبالتالي، عدم قدرة الدولة على المحافظة على المستوى المعيشي الحالي لقطاعات شعبية واسعة، فضلاً عن تسارع المتغيرات السياسية في الإقليم والمنطقة والعالم ككل.الدول المُستقرِة سياسياً واجتماعياً هي الدول المدنيّة الديمقراطية التي توجد فيها مشاركة شعبية واسعة في اتخاذ القرارات العامة التي لها تأثير على حياة الناس ومستقبلهم، فمن يشارك في صنع القرار واتخاذه يتحمل مسؤولية فشله أيضاً، والعكس صحيح تماماً، إذ إن الناس لن يقبلوا تحميلهم نتائج قرارات لم يكن لهم دور في اتخاذها من الأساس.والمشاركة الشعبية الحقيقية والفاعلة لا يمكن أن تتحقق من خلال أجهزة صورية بمسميات شعبية، بل من خلال أنظمة انتخابية عادلة، وحياة سياسية مُنظّمة وقائمة على أسس مدنية ديمقراطية، ومؤسسات دستورية حقيقية وفاعلة ودساتير عصرية متوافق عليها، حيث إن الاضطرابات السياسية والاجتماعية تحدث عادة عندما تُحتكَر السُّلطة والثروة فيختلّ التوازن السياسي- الاقتصادي نتيجة تهميش شرائح وفئات اجتماعية واسعة، بعد أن تُغلق في وجوه الناس الخيارات والمنافذ السياسية، وتُفرض عليهم فرضاً ظروف اقتصادية مُزرية تُحوّل حياتهم ومعيشتهم إلى جحيم لا يُحتَمل.
مقالات
إصلاحات سياسية مُستحقّة
01-12-2014