لا يبدو أن حروب السنوات المقبلة ستكون في ميادين القتال؛ فربما تجد مكاناً جديداً تحتدم فيه... هذا المكان لن يكون سوى معامل العلماء.

Ad

وعلى عكس ما فعله علماء ومطورون مثل "ألفريد نوبل" (اخترع الديناميت)، أو "ميخائيل كلاشينكوف" (اخترع البندقية السريعة التي تحمل اسمه)، فإن علماء "حروب المستقبل" لن يخترعوا أسلحة ووسائل تدمير للعدو، ولكنهم سيطورون أساليب لـ"إعادة صياغته".

يرى عالم المستقبليات الأميركي ألفن توفلر Alvin Toeffler، في كتابه "الموجة الثالثة"، أن العالم شهد ثلاث ثورات رئيسة؛ الأولى هي الثورة الزراعية، والثانية هي الثورة الصناعية، والثالثة ثورة تكنولوجية، لكن هذا الكتاب صدر في عام 1984، وربما لو أمكن لتوفلر إصدار طبعة جديدة منه اليوم لأضاف ثورة رابعة جديدة، وربما أسماها "الثورة البيولوجية".

لقد تطور "علم الجينوم" تطوراً كبيراً في العقدين الأخيرين، وهو أحد فروع علم الوراثة، ويهتم بدراسة المادة الوراثية في أجسام الكائنات الحية، ويتضمن المجال العلمي لتلك الدراسة جهودا مكثفة لتحديد تسلسل الحمض النووي بشكل كامل ورسم الخرائط الدقيقة للجينوم.

كما تشمل تلك الدراسة عدداً من الظواهر التي تحدث داخل الجينوم، الذي يمثل مجموع الجينات الخاصة بكائن الفرد بأكلمه، وبالتالي، فعلم الجينوم هو دراسة الجينات في الخلية، على مستوى الحمض النووي "دي إن إيه" DNA.

وفي شهر أبريل من عام 2003، اكتملت دراسات مشروع الجينوم البشري، بالولايات المتحدة الأميركية، وتوافرت معلومات ثمينة بشأن تسلسل القواعد في "الحمض الريبي" (النووي المنقوص الأكسجين (المعروف بـ"دي إن إيه"DNA  في صبغيات الإنسان، التي تشكل نحو 35 ألف مورثة في خلاياه.

وقد خلص هذا المشروع إلى أن نحو 99.9% من المعلومات المتوافرة في المورثات متماثلة عند جميع الناس، وأن الفروق الصغيرة المتبقية هي المفتاح المميز لشخصية الإنسان ووظائف جسمه، ومع أن هذه الفروق لا تسبب عادة مشكلات تتعلق بنمو الفرد وتطوره، أو بوظائفه الحيوية، إلا أنها قد تؤثر في استعداده للتعرض لمشكلات صحية معينة، وقد تحدد كيفية تفاعل الجسم مع عوامل مختلفة.

وكان من جملة فوائد هذا المشروع تطور الدراسات الخاصة بالعلاج الجينومي، التي تبحث في تحديد التداخلات Interactions بين المورثات والعقاقير الدوائية.

وبقدر ما يمنح هذا الاكتشاف البشرية الأمل العريض في التعرف الدقيق إلى الصيغ الوراثية للمرضى، وبالتالي التدخل السريع السلس لعلاجهم عبر التأثير في التركيب الجيني المعطوب، بقدر ما يفتح الأبواب الواسعة أمام فرص استخدام هذا التطور كسلاح من أسلحة الحرب.

يسود اعتقاد بين مؤرخي الحروب أن أول استخدام للحرب البيولوجية كان في أثينا في عام 430 قبل الميلاد، حينما تم استغلال مرض الطاعون، كما تقول موسوعة Collier’s Encyclopedia الفرنسية، التي أفادت أن "الجنود الفرنسيين ربما استخدموا الألبسة الخاصة بمرضى الجدري في نشر المرض بين الهنود الآزتيك، خلال الحرب الفرنسية في المكسيك، مما أوقع ملايين الضحايا".

لقد تم توقيع اتفاقية الأسلحة البيولوجية عام 1972، ومع ذلك فثمة مؤشرات إلى أن دولاً عديدة تفرز موارد ضخمة وتنشئ آليات علمية مستديمة لتطوير وسائل حرب بيولوجية.

ويعد أبسط تعريفات الحرب البيولوجية ذلك التعريف الذي يحددها في استخدام أحد أنواع الفيروسات أو الميكروبات أو البكتريا المعروفة في إحداث أضرار صحية محددة سلفاً في الأعداء أو المستهدفين بغرض تحقيق هدف سياسي.

فهل نحن بصدد شكل آخر من أشكال الحرب البيولوجية؟

في 20 ديسمبر الماضي، كان العالم المصري الأميركي، الحاصل على جائزة نوبل، أحمد زويل يتحدث في منتدى علمي، بالقاهرة، حين قال إن "الاكتشافات الجينية سيكون لها تأثير كبير في الحروب المقبلة".

لقد حصل زويل على جائزة نوبل من جراء اكتشافاته العلمية المبهرة، خصوصاً ما يتعلق بـ"الفيمتو ثانية"، كما كرس جزءاً كبيراً من اهتماماته العلمية لموضوع "النانو تكنولوجي"، الذي ساعده كثيراً في بعض الأبحاث التي يجريها في معمله الكبير في جامعة "كالتيك" الأميركية بخصوص المسائل الجينية.

ومن خلال "مدينة زويل للعلوم" التي يديرها في القاهرة، استطاع أن يطور بعض الأبحاث الجينية خصوصاً في ما يتعلق بالتركيب الجيني لبعض الحيوانات، وهو ينطلق في استشرافه هذا من قاعدة علمية عريضة وثرية.

إذا صح ما توقعه زويل، فإن ذلك يعني أنه سيكون بمقدور بعض الدول أن تمتلك وسائل لتغيير جينات أعدائها، عبر امتلاكها القدرة على التلاعب في الخرائط الجينية للشعوب المستهدفة، بما يفقدها القدرة على الدفاع.

واستناداً إلى ذلك يرى هذا العالم أن الحروب المقبلة قد لا تكون في حاجة إلى استخدام الدبابات والطائرات بقدر حاجتها إلى استخدام تلك الوسائل العلمية.

يؤكد علماء بارزون أيضاً أن حرب الجينوم أو الحرب باستخدام التأثير في الجينات البشرية ليست "حربا بيولوجية"، تقوم على استهداف العدو بـ"بكتريا" أو "فيروس" ما لإحداث أثر صحي سلبي فيه، ولكنها أبعد من ذلك وأفدح أثراً. إن حروب المستقبل ليست فقط تلك التي ستخاض بـ"الروبوتات"، أو عبر "الأسلحة النووية التكتيكية"، وهي أيضاً أبعد من مجرد استخدام "النبضات الكهرومغناطيسية"، أو "شن الهجمات السيبرية"، وهي كذلك أشد فتكاً من الحروب اللامتوازية، بما تحمله من أضرار نفسية جسيمة على الخصوم.

إن حروب المستقبل قد لا تتوقف عند محاولة إيذاء العدو أو إفنائه، ولكن ربما تمتد إلى "إعادة صياغته" على نحو لا يصلح فيه للدفاع أو الهجوم.

ستواصل الحرب طريقها الدامي وصولاً إلى احتمالية تغيير كيان الفرد العدو، واستبدال كيان مسخ رخو أكثر مطاوعة، عبر التلاعب بمورثاته الجينية.

وعلى الذين يريدون السلام والأمان لشعوبهم، وهؤلاء الذين يرغبون في الحفاظ على كيانهم، عبر حفظ مورثاتهم الجينية، أن يخصصوا أموالاً وموارد ضخمة لتطوير البحوث الجينية أكثر مما يقتنون من الطائرات والغواصات وأنظمة الصواريخ.

* كاتب مصري