في ذكرى افتتاح المتحف الزراعي في مصر الـ77، والتي حلَّت أخيراً من دون احتفاء به، ألقت {الجريدة} الضوء على محتوياته وقيمته التاريخية وطابعه المعماري وجملة المقومات التي حاز بها السبق على متاحف ضخمة في العالم، علاوة على ما يواجهه من تحديات أدت إلى انحسار عدد مرتاديه وزواره .

Ad

ويعود إنشاء المتحف إلى القرن الماضي، تحديداً العام 1938، وهو يتيح رصداً متتابعاً لحقبة كاملة منذ عصر الفراعنة، وذلك عبر آلاف المعروضات والمقتنيات التي تعتبر في مجملها قراءة تاريخية للزراعة وتطورها في مصر. كذلك يمثل قبلة العلماء والباحثين في مجال الأبحاث والدراسات الزراعية والبيطرية والتاريخية .

وتشير المراجع إلى أن الغرض من إنشاء المتحف الزراعي أن يكون بمثابة نافذة تطل منها الأجيال كافة على حضارة مصر الزراعية، وأنه قد بدأ العمل به في عام 1930 عندما صدر قرار مجلس الوزراء المصري في 21 نوفمبر من عام 1927.

ويقول المؤرخ عاصم الدسوقي إنه في يناير 1938 افتتح الملك فاروق المتحف رسمياً وسُمي {متحف فؤاد الأول الزراعي}.  وأمر حينها بالاستعانة بمصمم المتحف الزراعي في العاصمة المجرية بودابست ليضطلع بتصميم المتحف الزراعي المصري. كذلك أمر بعد ذلك بإنشاء مبنى البرلمان .

ويضيف الدسوقي أنه قد وقع الاختيار على سراي الأميرة فاطمة إسماعيل، ابنة الخديوي إسماعيل، خامس حكام مصر من الأسرة العلوية، وشقيقة الملك فؤاد الأول، ليكون متحفاً زراعياً. يتكون الأخير من ثلاثة أبنية لمعروضات زراعية، تم تخصيص الأول للمملكة النباتية، والثاني لمعروضات المملكة الحيوانية، والثالث يضم المعرض التاريخي للزراعة المصرية منذ عهد ما قبل التاريخ إلى يومنا، بالاضافة إلى المجموعة الحشرية، وقاعات للسينما والمحاضرات.

قيمة تاريخية

يقول نادر نور الدين، الأستاذ في كلية الزراعة والخبير الزراعي، إن قيمة المتحف التاريخية، تكمن في احتوائه على نوادر قيّمة لا توجد في أي مكان في العالم، ومن بينها نباتات منقرضة من كوكب الأرض، وعلى رأسها نبات يسمى بـ {البرساء} غير الموجود في عالمنا اليوم بينما كان مقدساً من الأسر الفرعونية قديماً، بالإضافة إلى أن المتحف يضم أقدم آلة لطحن الحبوب وتسمى {المجراش} يعود تاريخها إلى 15 ألف سنة.

ويستطرد نور الدين أن المتحف عمره 77 عاماً ويملك مئات من الصور الفوتوغرافية، واللوحات الفنية وماكيتات جمالية تشكِّل مناخاً يعود بنا إلى آلاف السنين .

ويصف نور الدين المتحف بأنه على هيئة سرايا خديوية الطابع، تتوسطها نافورة مياه وينتشر على أطرافها شريط أخضر من النباتات والأشجار، ويحتوي على ثمانية متاحف مصغرة مجهزة بالكامل، بمجموعة قيمة من أجهزة العرض والإضاءة المناسبة للمعروضات من المواد العضوية التي تتفاعل مع الرطوبة والضوء.

وعن طابع المبنى المعماري، يقول أستاذ العمارة في الجامعة البريطانية مصطفى محمود إن جامعة القاهرة تولَّت تطوير المبنى معمارياً فزيِّنت مداخل القصر وواجهاته بالنقوش والزخارف الزراعية والحيوانية.

ويضيف أن المبنى يستمدّ عمارته من الطرز الخديوية، التي تعتمد على فكرة الشسوع والرحابة البصرية، وتطغى عليه نماذج ومجسمات ورسوم تخطيطية تبرز عمارة ما قبل الحداثة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل العشرين .

كذلك تحدثت {الجريدة} مع مدير المتحف الزراعي المهندس علاء نزيه الذي قال إنه يبذل مجهوداً كبيراً لتحسين أوضاع المتحف، معدداً الأسباب التي أدت إلى انحسار مرتاديه رغم قيمته التاريخية: لا يكفل سعر التذكرة البسيط تطوير المتحف أو الإنفاق عليه، غياب خطط اقتصادية تتغلب على عوائق الروتين الرسمي لإنشاء مقاهٍ والسماح للمعلنين بتدشين مشاريعهم ترويجاً للمتحف، وعدم تخصيص مساحات ترفيهية للأطفال لجذب الزوار .

وأضاف مدير المتحف أن عدم الاستقرار السياسي انعكس سلباً على جميع النشاطات السياحية بما فيها المتحف الزراعي، وأن التظاهرات اليومية لم تترك الفرصة لمتحف من هذا النوع أن يدرج على قائمة السياحة، ذلك نظراً إلى موقعه الجغرافي في حي الدقي الذي يعد غالباً مسرحاً للفعاليات الاحتجاجية .