يتعين على الدول الغنية بالنفط العثور على طرق جديدة من أجل موازنة ميزانياتها، حيث أغدقت الدول الست في مجلس التعاون الخليجي طوال سنوات عديدة الأموال على مواطنيها بأمل عدم تحركهم للمطالبة بالديمقراطية، ولكن النفط، وهو المصدر الرئيسي للدخل في دول مجلس التعاون، هبط إلى أقل من 50 دولاراً للبرميل، ولم تعد الميزانيات التي وضعت على أساس 100 دولار للبرميل صالحة، ويتعين التفكير في نوع ما من التقشف.

Ad

وقد شجع التباين طوال عقد من الزمن في أسعار النفط التصاعدية تلك الحكومات على السخاء في مستويات تبدو غير محتملة في الوقت الراهن، وارتفع معدل البذخ في الإنفاق على الخدمات الاجتماعية مثل الرعاية الصحية والتعليم ودعم الوقود بقدر أكبر في أعقاب القلاقل التي اجتاحت المنطقة منذ سنة 2010، ويضاف إلى ذلك تكلفة المشاريع التي تهدف إلى إبراز الهيبة والمكانة، التي يقدرها السكان المحليون، ومن السهل رؤية الدافع وراء حاجة الميزانيات إلى أسعار أعلى للنفط من أجل تحقيق التوازن المنشود.

المملكة العربية السعودية، وهي الاقتصاد الأكبر في دول مجلس التعاون الخليجي، في حاجة إلى سعر لبرميل النفط يتجاوز 104 دولارات من أجل تحقيق تعادل في سنة 2015، بحسب محللين لدى دويتش بنك، كما أن الاحتياطي من العملات الأجنبية الذي يبلغ 900 مليار دولار سيوفر لها ضمانة لثلاث سنوات عند مستوى الإنفاق الحالي، ولكن لدى الدول الأخرى عتبة متاعب أدنى: وسلطنة عمان هي إحدى الدول التي تعاني في الأساس ديوناً، وتتحدث عن مزيد من الاقتراض عن طريق سندات.

وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 80 في المئة من دخل الحكومات الإقليمية تأتي عبر الهيدروكربونات التي تسهم الرسوم الجمركية والضرائب على الشركات الأجنبية بنسبة بسيطة فقط فيها، كما أن الضرائب، حيث تفرض، تكاد لا تشكل أي أعباء، وهذا وضع يتعين أن يتغير.

لا تفرض أي دولة في مجلس التعاون الخليجي ضريبة على رواتب المواطنين، رغم أن على السعوديين دفع نسبة تبلغ 2.5 في المئة من دخلهم على شكل زكاة، ويشعر الأجانب بإغراء التمتع برواتب لا تخضع للضريبة، كما أن الشركات المحلية لا تدفع ضريبة في السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة، وتبلغ الضرائب معدلات قليلة في الكويت وقطر وسلطنة عمان، وحتى نصيب الشركات غير النفطية زهيد، وتفرض السعودية ضريبة تبلغ 20 في المئة على الشركات الأجنبية، بينما تفرض إمارة دبي ضريبة تبلغ 20 في المئة فقط على البنوك الأجنبية.

ولكن تلك الحكومات تدرس ملياً خططاً جديدة من أجل زيادة العوائد، وقد أوصى مجلس الشورى في سلطنة عمان بفرض ضريبة تبلغ 2 في المئة على تحويلات الوافدين فيها، والذين يبلغ عددهم 1.9 مليون شخص، كما أنها تريد مضاعفة الضريبة على تجارة المعادن لتصل إلى 10 في المئة وفرض ضرائب على صادرات الغاز.

قبل هبوط أسعار النفط

وحتى قبل هبوط أسعار النفط في النصف الثاني من السنة الماضية تحدثت تقارير في وسائل الإعلام في دولة الإمارات العربية المتحدة عن قيام الحكومة بدراسة تأثيرات فرض الضريبة على الشركات على الرغم من تشديدها على عدم تكبيد الأفراد الأعباء، وثمة حديث أيضاً حول فرض ضريبة القيمة المضافة في شتى دول مجلس التعاون الخليجي.

وفي ضوء عوائد النفط كانت الضرائب فكرة تلوية (متأخرة) أكثر منها حتمية لضرورات الميزانية، وعلى سبيل المثال فإن ضريبة تبلغ 2 في المئة فقط من الناتج المحلي الإجمالي يتم تحصيلها في سلطنة عمان، مقارنة بـ 25 في المئة إلى 40 في المئة في الدول الغنية، والكثير من العوائد غير النفطية، مثل الدخل الناجم عن الحج في السعودية يعتمد على إنفاق الدولة التي تدفعه عبر تصدير النفط والغاز.

ونظراً لأن إرضاء المواطنين يتوقف على منح الحكومة ولأن دول مجلس التعاون الخليجي لا تريد تعطيل العمل التجاري فإن الخفض في طرق الإنفاق الأخرى يصبح أكثر احتمالاً، وقد تم تأجيل الكثير من المشاريع الكمالية السمة خلال الهبوط الذي شهدته أسعار النفط في سنة 2009، ويتركز الإنفاق في الوقت الراهن على المحافظة على الاستقرار الاجتماعي، كما أن وظائف القطاع العام والأجور زادت في السنوات الأخيرة، وسيصعب خفضها على شكل دعم للوقود والغذاء.

ويقول ستيفن دايك، من وكالة موديز للتصنيف الائتماني: " نحن نرى الضرائب مثل خيار الملاذ الأخير بالنسبة إلى دول مجلس التعاون الخليجي، ولكنني أظن بضرورة فرض بعضها في نهاية المطاف"، وربما يحدث ذلك في المقام الأول على شكل ضريبة القيمة المضافة ورسوم جمركية، وإذا استمرت أسعار النفط في هبوطها الحالي فإن مثل تلك الخطوة لن تكون الأخيرة.