كم يبلغ ثمن الصوت الانتخابي في مصر حاليا؟ يمكنك العثور على الإجابة بسهولة في مدينة السادات الصناعية المترامية الأطراف والتي يكثر فيها الشباب والعاطلين،

Ad

فالثمن هناك لم يتغير عما كان عليه في عهد الرئيس السابق حسني مبارك وهو: بطاطين وأجولة من السماد ورعاية صحية بأسعار مخفضة.

بعد ما يقرب من أربع سنوات على الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بمبارك عام 2011 وأنعشت الآمال في القضاء على دور الرشاوى والمحسوبية في الانتخابات لا يزال العديد من الناخبين المحبطين على استعداد للتصويت بنفس الآليات القديمة في الانتخابات البرلمانية المقررة على مرحلتين في مارس وابريل.

ويقولون إنهم لا يملكون البديل. ويبلغ معدل البطالة في مصر 13 بالمئة ويعيش نحو 40 في المئة من السكان تحت خط الفقر أو بالقرب منه وازدادت الأوضاع المعيشية سوءا منذ الإطاحة بمبارك.

وأفسحت الحملة الأمنية الصارمة التي تشنها الحكومة المدعومة من الجيش على المعارضين الإسلاميين والليبراليين المجال أمام عودة رجال الأعمال الذين كانوا يدعمون مبارك خلال حكمه الذي امتد لثلاثة عقود.

وبرأت محاكم كثيرين منهم في قضايا فساد. وبمجرد إطلاق سراحهم عادوا لسيرتهم الأولى بتقديم إعانات للناخبين لضمان الفوز بأصواتهم.

وعلى الرغم من عدم وجود ما يمنع تقديم هذه الإعانات في القانون إلا أنها تثير القلق لدى منظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية.

وأحد أبرز العائدين للساحة السياسية رجل الأعمال الشهير أحمد عز الذي يسعى لخوض سباق التنافس على المقعد الوحيد بالبرلمان لمدينة السادات إلى الشمال الغربي من القاهرة.

ويعتبره كثير من المصريين واحدا من أقوى رموز نظام مبارك الذي اتسم بالتزاوج بين السلطة ورأس المال. وكان انتخب عضوا بالبرلمان مرتين من قبل.

وينفي عز الذي رفض إجراء مقابلة مع رويترز اتهامات بإفساد الحياة السياسية في مصر وارتكاب جرائم فساد.

وطعن هذا الأسبوع على قرار اللجنة العليا للانتخابات باستبعاده من القائمة المبدئية للمرشحين لمجلس النواب بدعوى عدم استيفاء الأوراق اللازمة للترشح. وستقرر محكمة القضاء الإداري قريبا ما إذا كان سيسمح له بالعودة للسباق مرة أخرى.

وظهر عز للمرة الأولى منذ سنوات على شاشات التلفزيون مساء الثلاثاء في برنامج حواري على قناة فضائية خاصة ودافع عن حقه في الترشح. وأثار الحوار غضب الكثيرين وأشعل موجة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي.

وحقق قطب صناعة الحديد في مصر وأمين التنظيم في الحزب الوطني المنحل ثراء فاحشا في عهد مبارك. وعقب انتفاضة 2011 قضى بضع سنوات في السجن بعد إدانته بالفساد لكن محكمة النقض ألغت سجنه وتعاد محاكمته حاليا. وأخلي سبيله في أغسطس.

وقبلت لجنة الانتخابات أوراق ترشح زوجته سيدة الأعمال شاهيناز النجار في إحدى دوائر القاهرة رغم أن أحد أسباب استبعاده هو عدم إرفاق إقرار الذمة المالية الخاص بها ضمن أوراق ترشحه.

في مدينة السادات حيث يملك عز الكثير من المصانع يقول الناخبون إنهم يؤيدون عودته للبرلمان لأن الحكومة عاجزة عن مساعدتهم.

وقال شريف عبد الحميد وهو تاجر في سوق مكتظ للخضر والفاكهة "أنا أؤيده بقوة وضد نظرية انه يستبعد. بيقدم لنا خدمات بقوة."

وأضاف "طول ما الدولة تهمشني فهو أهم من الصالح العام بسبب عدم مراعاة الدولة لظروفي."

ويقول آخرون مثل عبد الحميد إن المدينة والقرى المجاورة لها تعاني من ارتفاع البطالة وتعاني من سوء الخدمات مثل الصحة والكهرباء والصرف الصحي.

وقال بائعون وزبائن في السوق لرويترز إنهم تلقوا إعانات من مؤسسة خيرية أسسها عز مثل البطاطين وأجولة السماد.

وفي أحد المستشفيات الخاصة بالمدينة تقدم مؤسسة عز رعاية طبية بنصف الثمن للمرضى الذين يتقدمون بطلب لها لمساعدتهم على العلاج.

وقال أمير سعد المنسق الإداري بمستشفى هرمل التذكاري إن أكثر من 1100 مريض استفادوا حتى الآن من الخدمات الصحية المخفضة التي يقدمها عز لكن يشترط أن يكونوا ممن يحق لهم التصويت في دائرة السادات.

وفي المستشفى قال صبري الجارحي القادم من قرية مجاورة وتتلقى ابنته العلاج من حصوة في الكلى بنصف الثمن "هانتخبه. بيقدم لنا خدمات من زمان."

ويرى الدكتور هاني شفيق مدير المستشفى إن تقديم الرعاية الصحية للمحتاجين أهم بكثير من السياسة.

وقال لرويترز "لو جالي الجن الأزرق وقالي عايز أساعد المرضى هتعامل معه."

وأضاف "أنا لا علاقة لي بالسياسة ولا بالانتخابات. أنا مؤسسة علاجية... السياسة مش قضيتي خالص. قضيتي المريض."

وينافس على مقعد مدينة السادات رجل أعمال آخر هو شريف عفيفي الذي يملك مصنعا للسيراميك بالمدينة التي سميت نسبة إلى الرئيس الراحل أنور السادات.

ويقدم عفيفي نفسه على أنه بديل للسياسة التقليدية لكنه لا يملك تاريخا سياسيا.

وقال عفيفي لرويترز في مقر حملته الانتخابية وهو عبارة عن فيلا فاخرة بجوار مجمعات سكنية شعبية "خلال دورتين قدم عز خدمات مؤقتة وشخصية.. مفيش خدمات تنموية على الطبيعة."

وتعهد عفيفي بالتركيز على البنية التحتية والتنمية المستدامة لكنه يواجه هو الآخر اتهامات من سكان ونشطاء بالمدنية باستخدام نفس أساليب عز.

ولم ينكر عفيفي تبرعه بكميات من السيراميك كمساهمة في بناء مرافق عامة كالمستشفيات ودور العبادة والمدارس لكنه قال إنه يفعل ذلك منذ سنوات في إطار خدمة المجتمع وقبل وقت طويل من تفكيره في الترشح للانتخابات.

وقال وحيد عبد المجيد أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي "الأغلبية الساحقة من المرشحين تعتمد على نفس آليات مرشحي الحزب الوطني السابق ... المشكلة تكمن في نظام الانتخابات الذي يجعل الخدمات والأموال والعصبيات هي العوامل الأكثر تأثيرا في العملية الانتخابية."

وبالعودة مرة أخرى إلى السوق كانت إمرأة شابة تبيع الفاكهة تسب حشدا من الرجال الذين يمتدحون عز.

وقالت البائعة وتدعى هبة "في ثورة وفي ناس ماتت ودلوقتي راجع يعمل إيه؟"

وكانت تشير إلى مئات المتظاهرين الذين قتلوا في الاحتجاجات التي اندلعت إبان الانتفاضة على مبارك التي استمرت 18 يوما.

ولم تكن هبة وحدها التي تعارض ترشح عز.

وقال علي عباس (26 عاما) وهو عاطل عن العمل رغم حصوله على شهادة جامعية "عز مابيخدمش غير الحاشية اللي حواليه."