هدرا جرجس: «صياد الملائكة»... الفتنة أصل الشرور

نشر في 12-05-2015 | 00:02
آخر تحديث 12-05-2015 | 00:02
No Image Caption
رصد الأديب هدرا جرجس في روايته الأخيرة «صياد الملائكة» أسباب الفتنة الطائفية في مصر وجذورها، وجاءت الرواية محملة بدلالات ورموز عدة. قدم هدرا أجواء صعيدية مدهشة ممزوجة بشخصيات قبطية تختلف تماماً عما تعود عليه القارئ العربي.
التقته «الجريدة» في الحوار التالي حيث أكد أن اللغة بالنسبة إلى الرواية كالدم في جسم الإنسان لا يمكن أبداً أن تعيش من دونه.
التمرد على الكهنوت حاضر في «صياد الملائكة». هل هو ضرورة سردية أم نزعة داخلية لديك؟

أولاً، تتوقف الإجابة عن هذا السؤال على تحديد طبيعة المعنى المراد من مفردة الكهنوت، إذا كنت تقصد سلطة رجال الدين في السيطرة على الأمور الحياتية الخاصة بالناس، فهذا مرفوض جداً، سواء أكان مسيحياً أو إسلامياً، وهذا يعني ألا نتمرد عليه فحسب بل نثور ضد وجوده إذا وجد أصلاً. أما إذا كنت تقصد بالكهنوت المعنى الحرفي للكلمة أي فئة الكهنة في المسيحية تحديداً، فهؤلاء ظهروا في الرواية متمثلين في شخصية الأسقف الذي، بتعبير أحد النقاد،  يقرأ في كتب الرهبان وينفذ تعليمات الحكومة، وفي شخصيته كنت أرفض أن يتحول من راهب يفترض فيه النسك والاهتمام بأمور العبادة إلى زعيم لقبيلة ورئيس لفئة. وهذا الدور للأسف لم يختاره الكهنة بمحض إرادتهم، ولكنهم لأسباب سياسية فرضت عليهم فرضاً من الأنظمة السياسية، فخير للنظام أن يتعامل مع البابا منفرداً من أن يتعامل مع ملايين المسيحيين، رغبة في المحاصرة وشراء الأدمغة كما يقولون، وهذا كما عرضته في الرواية نوعاً من المواطنة المنقوصة.

تدور {صياد الملائكة} عن الفتنة الطائفية في صعيد مصر، ولكن البعض يحمل النص ما لا يطيقه. هل كنت تقصد ذلك باختيارك موضوع الرواية؟

تدور {صياد الملائكة} عن الفتنة الطائفية في مصر، خصوصاً في الصعيد، لأنها فعلاً كذلك، وهو موضوعها الواضح والصريح، وليس ما يريد النقاد أو القراء تحميله لها. ثمة باحثة صينية تعد لرسالة دكتوراه بجامعة الصين عن الروايات التي تناولت الفتنة الطائفية في مصر، واتخذت من {صياد الملائكة} نموذجاً، فضلاً عن أنها تترجمها إلى الصينية.

تابع أبطال الرواية الثلاثة مشهد افتراس الأسد لأحد الأشخاص في بداية الرواية. ماذا كنت تقصد بذلك؟

الرواية محملة بكثير من الرموز، وواحدة من الدراسات النقدية الكثيرة التي اهتمت بهذا الجانب، هي دراسة للدكتورة لبنى إسماعيل، أستاذة الأدب الإنكليزي بجامعة القاهرة. ولكن دلالة المشهد باختصار تعني أن العالم قد يتحوَّل إلى غابة لو تركنا تلك الأمور كما هي. وثمة مشاهد أخرى دالة على ذلك في الرواية، فالأسد يفترس البني آدم، وأميركا تفترس العراق، والشرطة تفترس المواطن، والمتعصبون دينياً يفترسون المسالمين، كما لو أن ثمة آلة جبارة تفرم كل ما يلقى لها.

تقنية {السارد المشارك} ماذا أضافت إلى {صياد الملائكة}، وكيف استطعت أن تمرر هذه الأحداث كافة خلال ست ساعات فقط هي زمن نزول {حنا} من السفينة وبدء أحداث الفتنة الطائفية؟

حتى الآن، أسير الكتابة بضمير الراوي العليم، في {صياد الملائكة} وفي الأعمال التي سبقتها أيضاً، وهو ضمير صعب لا يتقنه أكثر الكتاب، فأنت هنا آلة العمل وسيده الذي تتحرك الشخصيات بأمره وبمعرفته التي تصل إلى حدود حتى ما بعد نهاية الرواية، وأعتبر أن أكثر كاتب أجاد في الكتابة به راهناً هو ميلان كونديرا. حتى إن ناقداً كتب عن ذلك عندي، وقال إن هدرا يحب أن يسقط نفسه في الفخاخ، ولأنه ينجو منها بسهولة، وليس ضمير الكتابة في هذه الرواية هو الفخ الوحيد، فثمة أيضاً فخ الموضوع الشائك الصادم الذي لا ينجو منه كاتب بسهولة، حيث يمكنه أن يسقط في المباشرة أو الانسياق للقيم والاعتبارات المجتمعية العقيمة السائدة.

تهتم في معظم أعمالك الأدبية بالأجواء الصعيدية والقبطية. ألا يستطيع المبدع الفكاك من بيئته؟

أنا مصري، ولدت في مدينة صغيرة بأسوان كانت محيط كتاباتي المكاني، ونشأت في أسرة متوسطة ككل شخصيات رواياتي، وأدين بالمسيحية مثلهم تماماً. هذا أنا، وهذا ما عرفته في الحياة، ولو عرفت أو عشت حياة أخرى مختلفة سأكتبها. عموماً، لا أتقصد ذلك، إنما أنا أكتب نفسي بشكل أو بآخر. ماركيز بالمناسبة كان كذلك، ونجيب محفوظ... وغيرهما.

في وجهة نظرك، هل تقف مهمة الأدب والرواية على مناقشة عجز الإنسان وأزماته الكثيرة؟ ألم يأت الوقت الذي يقدم فيه الأدباء حلولاً لأزمات المجتمع من خلال أعمالهم؟

يسقط الصٌديق 7 مرات ويقوم، وهذه هي المفارقة، فالصديق {التي تعني القديس} لا يحمل تلك القداسة، لأنه لا يسقط، إنما يحملها لأنه يقوم بعد أن يسقط. هذه الأية البليغة الواردة في الكتاب المقدس تلقي لنا معنى آخر، وهو ألا قيمة للقيامة بلا سقوط، ولا معنى للنجاح بلا فشل. عندما تتعمق الفنون والآداب في دراسة وتحليل عجز الإنسان فهذا في حد ذاته تقديم الحل لتجاوزه. الأدب عموماً، أو الرواية خصوصاً لا ينبغي لها أن تقول (افعل) أو (لا تفعل)، ولا يجب لها أن تقوم بدور الناصح الفاهم، ولا أن توجه القارئ إلى أمر معين، إنما لو تمكنت من مناقشة عجز الإنسان وأزماته كما تقول فهذا في حد ذاته أكبر حل يمكن أن تقدمه، لأن الأصل في الحياة هو الكفاح وهو القيامة بعد السقوط، هكذا نشأت البشرية منذ اللعنة الأولى للخطية الأولى قبل الطرد من الجنة.

في وجهة نظرك... هل تُعتبر اللغة مجرّد أداة للتواصل بين المبدع والمتلقي فقط؟

اللغة بالنسبة إلى الرواية كالدم في جسم الإنسان، لا يمكن أن تعيش من دونه، فهو الذي يوصل المواد كافة إلى الأعضاء، ولن يعمل المخ أو القلب أو الرئة أو أو أو من دون هذا السائل. باختصار، هذا دور اللغة في النص الروائي، هي أداة توصيل... صحيح، ولكنها ليست مجرد تلك الأداة فقط، لأن دور اللغة في الرواية عظيم.

كيف ترى علاقتك وأبناء جيلك بالقراء، خصوصاً أن نقاداً يرون أنكم نجحتم في الوصول إلى الجماهير؟

الأصل في الكتابة الأدبية والفنون عموماً أن تصل إلى الجماهير، وأنا لديَّ هم شخصي في الأساس، ولكنه شديد التماس والالتصاق بالإنسان والوطن والعالم كله في الحقيقة، وأحب أن أطرح هذا الهم للناس. لا أحب المبدع المتعالي ولا أكتب بطريقته. أناقش أشد الأمور تعقيداً بأكثر الكلمات بساطة في كتاباتي، وثمة ناقد كتب عن الرواية تحت عنوان دال على ذلك وهو {أشياء صغيرة تحكم عالم كبير}.

back to top