عندما يحتل فيلم «واحد صعيدي» المركز الثاني في شباك إيرادات أفلام عيد الأضحى المبارك، بعد نجاحه رابع أيام العيد في حصد 1.4 مليون جنيه، ليصل إجمالي إيراداته إلى 6.3 ملايين جنيه مصري، فإن المرء يُصاب بصدمة ممزوجة بخيبة الأمل، فالفيلم يفتقر إلى المقومات الفنية والإنسانية التي تؤهله حصد الإيرادات وانتزاع الإعجاب، بل يمكن القول إنه «دعابة سخيفة» لا تخلو من عنصرية، وتتسم بغلظة شكلية وحركية، وارتجال يعكس قدراً لا بأس به من العشوائية!

Ad

دعاية فيلم «واحد صعيدي» تُشير إلى أن القصة كتبها أحمد جمال بينما صاغ السيناريو والحوار عبد الواحد العشري. لكن «التترات» تكشف أن ثمة معالجة سينمائية كتبها لؤي السيد، وكلها أسباب تبدو كافية لتبرير الفوضى الدرامية التي سادت الفيلم، فضلاً عن السذاجة الواضحة في بناء مواقف لا رابط بينها، عبارة عن «اسكتشات» بطلها محمد رمضان الذي يؤدي دور الشاب الصعيدي «فالح»، الذي نال ليسانس الحقوق، بعد سبع سنوات من الدراسة، وهجر قريته في أسيوط (جنوب مصر) إلى القاهرة ليحقق طموحاته، لكنه يفشل في العمل في مغسلة ثم مطبخ فندق سياحي في العين السخنة. ولأنه كان يتمنى لو أصبح ضابط مباحث يلبي صاحب الفندق رغبته، ويضمه إلى طاقم الأمن. وبالمصادفة البحتة، يعلم بأمر جريمة قتل تُدبَّر في الخفاء للتخلص من نزيلة اسمها «سماح». ويعيش مغامرة البحث عن القاتل!

يبدأ الفيلم بلقطات طريفة لا يغيب عنها الحس الساخر، مثل وضع لوحة معدنية بأرقام مرورية على ذيول الحمير، كالتي توضع على السيارات، وتخصيص موقف Parking للحمير بجوار المقهى الذي كتب عليه On the Ter3a، بينما تُحيلك الموسيقى، التي وضعها مصطفى الحلواني، إلى عالم شارلي شابلن. غير أن هذه المقدمة خفيفة الظل تنقلب إلى كابوس مع انتقال {فالح} إلى العاصمة، حيث يلجأ المخرج إسماعيل فاروق إلى تكريس الصورة الذهنية المقيتة للصعيدي الساذج، الذي يظن أنه {فهلوي}، ويجتر {الكليشيهات} القديمة، التي اعتدناها في بدايات عادل إمام، وتضيع الحدود الفاصلة بين اللهجة الريفية واللهجة الصعيدية، فضلاً عن استغلال وجود الكاميرا (تصوير رؤوف عبد العزيز ومحمد عزمي) في الفندق السياحي لتقديم فاصل فج يستعرض أجساد السائحات العاريات!

الجهل الصارخ بقانون الدراما من جهة، والخيال الكسيح من جهة أخرى، كانا سبباً في ظهور كاتب السيناريو، ومن بعده واضع المعالجة السينمائية، بمظهر البليد قليل الحيلة، بدليل إطلاق اسم {سماح} على ثلاث نزيلات بالفندق لإضفاء مزيد من الإثارة والغموض والتشويق على جريمة القتل، وافتعال معارك وهمية مع المشتبه فيهم، بالإضافة إلى حشو الفيلم بشخصيات زائدة لا تؤدي أي دور، فالفريق الأمني، الذي يضم {منصور} (حسن عبد الفتاح) و«جودت} (أيمن منصور) لا أهمية له سوى تلميع محمد رمضان، وريهام حجاج في دور المخرجة {رشا} باهتة بشكل غير مسبوق. والحال نفسها بالنسبة إلى {كريم} (محمد سليمان) عشيق {سماح} (راندا البحيري)، و«وسيم} (أحمد التهامي) طليق {سماح} ( نيرمين ماهر). أما شخصية {أحمد الأسيوطي} (صبري عبد المنعم)، رجل القانون الدولي الذي عاد من المهجر ليفضح الفساد وأباطرته، فتعكس اقتحاماً غير مبرر لمنطقة سياسية دخيلة على الأحداث، تماماً مثل مشهد محاكاة {فالح} للرئيس الراحل {السادات} في تهديده للمعارضة بأن {الديمقراطية لها أنياب وأظفار}!

في إطار الارتجال العشوائي نفسه، أطلق المخرج العنان لبطله في تقديم أغنية على غرار أغنيته في فيلم {قلب الأسد}، وكما قال هناك: {أديك في السقف تمحر... أديك في الأرض تفحر... أديك فى الجركن تركن}، لم يفاجئنا عندما غنى في هذا الفيلم: {اضرب في الوش رصاصة بثلاث أسلحة قناصة}، وأضاف لا فض فوه: {علشانك يا نورا ألعب في الشارع كورة}. ثم باغتنا بتقديم أغنية {أنا بعشق البحر}، التي حاكي فيها أسلوب محمد منير في الغناء. لكن الهبوط والابتذال لم يقفا عند حد التردي اللفظي والحركي، بل تجاوزاه إلى محاولات ساذجة لتحويل {فالح} إلى فيلسوف ينظم مأثورات شعبية غاية في الركاكة مثل: {الرجولة بالشخصية مش بالدروس الخصوصية}، {من أجل السياحة سبت الفلاحة} و«من أجل المحروسة سبت الجاموسة}!

هذا الفيلم الغليظ، الذي كشف عن عنصرية بغيضة عندما قال إن البطل انحدر من أسيوط بلد الجريمة الأولى، كما وصفها، ولم يتوقف لحظة عن السخرية من {الصعايدة} بطريقة وأسلوب لا يعرفان الطريق إلى خفة الظل من محمد رمضان، وصل إجمالي إيراداته إلى 6.3 ملايين جنيه مصري، حتى رابع أيام عيد الأضحى المبارك، ما يؤكد أن السينما المصرية تعيش مأساة حقيقية!