كلُّ عنفٍ سببهُ خللٌ في التَّواصل!
لا يُمكن تصوُّر الأحداث العنيفة التي أنتجتها الجماعات الأصوليّة الإسلامية، إلا من خلال البحث في الأسباب الفكرية، والأيديولوجية، والمفهوميَّة.لم نعُد أمام أصوليّة واحدة، بل مجموعة من الأصوليات، في السبعينيات من القرن الماضي، درسَ الفيلسوف الألماني يورغن هابرماس، عبر أكثر من كرَّاسةٍ، ومخطوطةٍ ومنهجٍ، أُسسَ الحلِّ البشري من خلال الحوار، مستنداً إلى قيم الحوار الأولى البريئة، التي لاتعني الانتصار أو الهزيمة، ولا القوة أو الضعف أثناء الحوار؛ وتوصَّل إلى ما عرف لاحقاً بـ "نظرية الفعل التواصليّ"، ويترجمها البعض مثل علي حرب بـ"الحوار العمومي".
يبتكر هابرماس هذا المفهوم، وتلك النظرية، بوصفهما مدخلاً لحلول وإمكانات غير متوفّرة لدى التَّيارات السّائدة آنذاك، ليتوصّل من بعد، إلى أن تعميم "التواصل"، هو أساس القضاء على الإرهاب.في حوارٍ أجرته مجلة (Autrement) الفرنسيّة (العدد 102) سنة 1988 معه، اختصر هابرماس نظرته في "التواصلية" بقوله: "فالفعل التواصليُّ يقوم على الرَّبط بين خطط مختلف الفاعلين باستعمال القوة المحفِّزة عقلانياً، التي تستلزمها أفعال اللغة الإنجازية، زِد على ذلك أن الفعل التواصلي لا يقبل أن يعوض بممارسات من جنس آخر مهما يكن السياق. فإذا كنا نربي على سبيل المثال أبناءنا أو ندرّس طلابنا، أو كُنا نسعى إلى إنعاش الروابط الاجتماعية بكيفية مشتركة، فإننا لا نستطيع رفض الانخراط في هذه الممارسة التواصلية. ويعني هذا أن إجراء الإدماج الاجتماعيّ، وتحقيق الاتصال الثقافي والتكييف الاجتماعي، أمورٌ لا تتمُّ إلا استنادا إلى الفعل التواصليّ". بعد أحداث 11 سبتمبر قدَّم الباحث المصري عصام عبدالله أكثر من مبحث لدراسة نظرية التواصل التي قدَّمها هابرماس، وهل لا تزال فعّالة حتى بعد العمل الإرهابي الكبير آنذاك ؟!.وفي حواراتٍ أُجريت مع هابرماس، اعتبر هذا الإرهاب عبارة عن "عطبٍ في التواصل"، ومن خلال هذا التشخيص لحال الأصولية والإرهابية، نستطيع أن نتحدث عن "العروق"، التي تضخُّ دماء الإرهاب في جسد الأصولية، حين يغيب التَّواصل تحضرُ مركزيَّة الفكر، ونفي الآخر، واعتبار "الغير" أمراً ضارَّاً أصلاً ولاحاجة إلى التواصل معه، بل يجب على الفور إلغاؤه وتصفيته، وهذه هي فكرة التَّصفية في "أيديولوجيا" داعش أو النصرة أو القاعدة أو غيرها من الجماعات الأصولية الاستئصالية الكارثية.كل عنفٍ هو حالة عطبٍ في التَّواصل، وكلُّ مجتمع يعتبر فيه الحوار آلية "نصحٍ" ويغيب حوار التواصل العموميّ اليوميّ العادي، ينتشر فيه العنف، ولهذا علينا تربوياً وفكرياً في مناطقنا العربية والإسلامية كافة، تحويل الحوار إلى أداة يوميّة لتحقيق أغراض إنسانيّة، بغض النّظر عن المردود العلميّ أو المعرفيّ، وبغض النَّظر عن معايير الحقِّ والباطل، يجب أن يكون الحوار مفتوحاً، لأن الحوار هو نواة التسامح، وحسن الظَّن، وذهاب الرّيبة، ووجود التواصل الإنساني، وتحقيق الأمن الكلامي، ولضرب خطر التنافي.علينا أن نعزِّز التَّواصل عربياً وإسلاميا،ً وإلا فإن أعطاب التواصل، وخلل التَّحاور هو الذي سيجرُّ أكثر من قاعدة، وأكثر من داعش، وأكثر من نصرة.