أروى الوقيان توثّق رحلتها الإنسانية في الهند

نشر في 01-01-2015 | 00:01
آخر تحديث 01-01-2015 | 00:01
No Image Caption
يمزج بين رشاقة الجمل وانسيابية المفردة في إطار أدبي

أصدرت الكاتبة أروى الوقيان كتاباً جديداً بعنوان «في الهند التقيت ذاتي» عن دار بلاتينيوم بوك» يتضمن نحو 30 مقالاً انتقتها بعناية، إضافة إلى عدد من الكتابات التوثيقية لرحلتها إلى الهند.
يتنفس محتوى إصدار الكاتبة أروى الوقيان من رئة مفعمة بمعاني الإنسانية، يمزج بين رشاقة الجمل وإنسانية المفردة، في إطار أدبي ولغة طيّعة لا تضل طريقها إلى وجدان المتلقي.

وتشير الكاتبة أروى الوقيان عبر الأسطر الأولى من إصدارها إلى أن إنجاز هذا الكتاب لم يكن سهلاً، وتطلّب منها الكثير من التدوين والبحث وعمل المقابلات والتقاط الصور، إضافة إلى الصعوبات العديدة التي واجهتها قبل الرحلة وأثناءها وبعدها.

عقب هذا التعريف المقتضب بالمعطيات التي أدت إلى إصدار هذا الكتاب، تمد الوقيان يد التطوع في رحلة إلى الهند، أفقر دول العالم، كما أنها ثاني أكبر دولة في العالم من حيث الكثافة السكانية.

 تسكب الوقيان تفاصيل مشوارها في البحث عن معاني الإنسانية، وتقول: "كنت أحلم دائماً أن أقوم بعمل تطوعي في مكان يشكل لي صدمة كالهند مثلاً، ولكني سعيت من قبل لدول أخرى، وقد شاء القدر أن يجعل فكرة التطوع في الهند تلمع مرة أخرى في ذهني"، ولم يتحقق الحلم إلا عقب تجاوزها مجموعة عراقيل وظروف طارئة لم تكن في الحسبان.

وفي مقال "في بقعة ما في الأرض"، تقترح الوقيان أن تقوم وزارة التربية بعمل رحلة للطلبة حين يتخطون الخامسة عشرة من أعمارهم إلى إحدى الدول التي تعاني الفقر أو الجوع، أو تلك التي تعرضت لكوارث طبيعية، لكي يقوموا بتوزيع المساعدات التي جمعوها مسبقاً، بالتعاون مع جمعيات الهلال والصليب الأحمر، حتى يتعرفوا على الجانب الآخر من الحياة.

ومن خلال هذا المقال تعبّر الكاتبة عن قلق وخوف عميقين من نشوء أجيال جديدة تهتم بالمظاهر الاستهلاكية الخداعة، وتهمل جوهر القيم الإنسانية، لذلك تأمل غرس الحس الإنساني منذ الصغر، لأنه كفيل بتخليص الفرد من كل الأمراض الاجتماعية.

وفي مقارنة بين حالتين تشير الكاتبة: "في هذه اللحظة التي أتناول فيها قطعة من "الستيك"، التي يقدر سعرها بـ15 ديناراً، آكلها دون أن تخطر لي أدنى فكرة بأن هناك في بقعة ما في الأرض من يتضور جوعاً بسبب فقر... اضطهاد... جشع، وأنا هنا أستمتع بالتهام قطعة من اللحم الطري قد ينقذ سعرها شخصاً من الموت في مكان ما".

وفي السياق ذاته، تكتب الوقيان مقالاً بعنوان "من أنت يا إنسان؟" وتطرح فيه مجموعة أسئلة تبدو الإجابة عنها سهلة، بينما الصعوبة تكمن في نوعية الرد، ماهيته، وتتساءل، "كيف لك يا إنسان أن تجعل أقصى طموحك حقيبة وسيارة، في حين يدك تستطيع أن تمسح دمعة مقهور وتحتضن يتيماً، فأنت تقرر من تكون، هل تريد أن تتبع قطيعاً من دون منطق، أم تتبع إنسانيتك النابعة من قلبك ليس إلا؟

وتمضي الكاتبة في حديثها المعبّر جداً، والمفيد لأي إنسان ربما ضبابية بعض الأمور أثرت على بصره وبات لا يرى إلا نفسه، وتطرح أسئلة مقتضبة جداً، من أنت؟ ماذا أنجزت؟

وتكشف في نهاية المقال عن سبب كتابته، هناك من يعيش على هامش الحياة كشخص عابر، وهناك من يعيش لأجل قضية، وكلاهما سيموت، لكن من يعيش لقضية لا يموت.

وترصد الكاتبة في محتوى الكتاب مجموعة مشاهد مؤثرة من واقع رحلتها إلى الهند، وتروي أثناء زيارتها لأحد الملاجئ في مدينة "فريداباد" يحتضن الأيتام، وفي الطريق إلى الملجأ كان هو التحدي الحقيقي لنا جميعاً!! كان طريقاً يمتد بين المجاري والمستنقعات والقمامة والطين، وكدنا ننزلق في أكثر من مرة، ونحن نتمسك بأي حائط، فضلاً عن الرائحة من حولك وروث الحيوانات في كل الاتجاهات، حيث من الطبيعي أن تجد الخنازير والأبقار والكلاب تتمشى بجانبك، وكأنها زينة الشوارع!

وفي مشهد آخر: "وجدت فصولاً صغيرة جداً، وعرفت أنها للأطفال الصغار، وبين الغرف وجدت طفلة ملقاة على الأرض، وتحتها قطعة قماش صغيرة، نائمة على الأرض وتحوم حولها الحشرات، ورغم ذلك تنام بسلام".

وفي تفاصيل مشهد آخر، تشير الوقيان إلى أنها لم تكن تجرؤ أن تجعل عملها الإنساني المتواضع ينصبّ لدين دون آخر، "لأنني شعرت وأنا في الهند أن الإنسان هو الأهم، وما يلي في حياته من تفاصيل لا يعنيني، هل سأوقف تلك الخبزة التي ستشبع هذا الجائع فقط لأنه من دين آخر؟ هل سأقول إنه يستحق الموت لأنه ليس مسلماً؟ هل كنت سأترك هذه الطفلة التي أرادت أن تحتضنني لتطبع قبلة على خدي مهملة، لأنها ليست من ديني؟ إن لم أكن إنسانة في هذه اللحظة، فماذا عساي أن أكون؟

back to top