التصدي للركود

نشر في 25-12-2014 | 00:01
آخر تحديث 25-12-2014 | 00:01
 راغورام راجان مع اقتراب عام 2014 من نهايته، لايزال الاقتصاد العالمي ضعيفاً، وربما تشهد الولايات المتحدة علامات تشير إلى تعزز التعافي، ولكن منطقة اليورو تخاطر بالسير على خطى اليابان إلى الركود، وتخشى الأسواق الناشئة أن استراتيجيات النمو القائم على التصدير جعلتها عُرضة للتأثر بالركود في الخارج، وفي ظل الإشارات القليلة التي قد توحي بأن عام 2015 قد يجلب معه أي تحسن، فمن الحكمة أن يفهم صناع السياسات العوامل الكامنة وراء الأداء الاقتصادي العالمي الهزيل، والآثار المترتبة على استمرار هذا الضعف.

على حد تعبير كريستين لاغارد، المديرة الإدارية لصندوق النقد الدولي، فإننا نشهد الآن «الحالة المتوسطة الجديدة»، وهذا يعني ضمناً أن النمو منخفض إلى حد غير مقبول نسبة إلى إمكاناته، وأن المزيد من الجهد يمكن بذله لرفع هذا المستوى، خصوصاً أن بعض الاقتصادات الكبرى تقترب من حافة الانكماش.

الواقع أن النصيحة السياسية التقليدية تستحث التدخلات النقدية غير التقليدية التي تحمل مجموعة دائمة التوسع من المختصرات، حتى في حين تحض الحكومات على الإنفاق على الاحتياجات «الواضحة» مثل البنية الأساسية، وهناك اعتراف بالحاجة إلى الإصلاحات البنيوية، ولكنها إصلاحات مؤلمة عادة، وربما تؤثر على النمو سلباً في الأمد القريب؛ لذا فإن التركيز يظل على التحفيز النقدي والمالي، وأكبر قدر ممكن منه، نظراً للتأثيرات المثبطة المترتبة على تراكم الديون.

ورغم هذا فإن فعالية مثل هذه النصيحة السياسية تظل غير مؤكدة، ومن الجدير بالذكر أن اليابانيين جربوا كل هذا على مدى العقدين الماضيين، فقد خفضوا أسعار الفائدة، ونفذوا برامج التيسير الكمي، وأنفقوا بالاستدانة بكثافة على البنية الأساسية، ولا أحد يستطيع أن يزعم أن اليابان تعافت بالكامل من وعكتها.

وهناك سرد ناشئ ربما يفسر بشكل أفضل لماذا كانت جهود التحفيز غير ناجحة: فكما زعم وزير الخزانة الأميركي السابق لاري سامرز، ربما يمر الاقتصاد العالمي عبر فترة طويلة من «الكساد المادي المطول». إن أسباب الركود تعتمد إلى حد كبير على شخص الخبير الاقتصادي الذي تسأله، فسامرز يؤكد عدم كفاية الطلب الكلي، الذي يتفاقم بفعل عجز البنوك المركزية عن خفض أسعار الفائدة الوطنية إلى ما دون الصفر، ومن بين أسباب ضعف الطلب الكلي الشيخوخة السكانية التي تعني انحدار استهلاك السكان وتنامي تركيز الثروة بين أيدي الأثرياء، الذين هم أقل ميلاً إلى الاستهلاك.

ومن ناحية أخرى، يزعم خبيرا الاقتصاد تايلر كوين وروبرت غوردون أن المشكلة تكمن في جانب العرض، فمن منظورهما، كانت السنوات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية بمثابة انحراف عن المعتاد، حيث استفاد النمو في البلدان الصناعية من مشروعات إعادة التعمير بعد الحرب، وارتفاع مستويات التعليم، وزيادة مستويات المشاركة في قوة العمل (نظراً لدخول النساء سوق العمل)، وتعافي التجارة العالمية، وزيادة الاستثمار، وانتشار التكنولوجيات مثل الكهرباء والهواتف والسيارات.

وأياً كانت الأسباب، فقد بدأ النمو يتباطأ في سبعينيات القرن العشرين، وتفاقمت التأثيرات السلبية مثل ارتفاع معدلات البطالة بين المهاجرين والشباب بفعل الإدراك المتزايد بأن الحكومات سوف تبذل قصارى جهدها من أجل الوفاء بوعودها بتحقيق الأمان الاجتماعي، والواقع أن هذه الوعود، كما يلاحظ عالم الاجتماع فولفغانغ ستريك، بُذِلَت في ستينيات القرن العشرين، عندما كانت الاقتصادات في ارتفاع وعندما بدت رؤى «المجتمع العظيم» وكأنها قابلة للتحقق. ومنذ ذلك الوقت، كانت الوعود في ازدياد مع إضافة الزيادة في المعاشات والتعهدات بتحسين الرعاية الصحية للمسنين لمصلحة العاملين في القطاع العام. وكانت الحكومات في احتياج إلى النمو حتى يتسنى لها أن تفي بالتزاماتها، ومن هنا، بدأت الحكومات منذ السبعينيات فصاعداً تنفق لتحفيز الاقتصاد، ولكن بسبب المشاكل المرتبطة بجانب العرض، تُرجِم الإنفاق إلى تضخم متصاعد، وبات من الضروري استعادة استقرار الأسعار، ولكن كان لابد من الحفاظ على مستويات الإنفاق في الوقت نفسه، وكان الحل النهائي متمثلاً بتمويل الإنفاق، ليس بضريبة التضخم، بل من خلال الاستدانة: أولاً الدين العام، ثم الدين الخاص مع اتجاه الحكومات إلى خفض العجز. وفي عام 2008، كانت مستويات الديون المرتفعة، في البنوك والشركات والأسر والحكومات، سبباً في إشعال شرارة الأزمة المالية. واليوم، يزيد الدين حدة المصاعب التي تواجهها البلدان المتقدمة في محاولة استعادة معدلات نمو ما قبل عام 2008، ناهيك عن استعادة مستويات الناتج المحلي الإجمالي التي كانت ستتحقق لو لم تندلع أزمة الركود العظيم اللاحقة، ومن ناحية أخرى تستمر نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في البلدان الصناعية في النمو.

وفي الأسواق الناشئة، كان تباطؤ النمو في الاقتصادات المتقدمة سبباً في إغلاق أحد المسارات التقليدية للتنمية: النمو القائم على التصدير، ونتيجة لهذا، اضطرت الأسواق الناشئة إلى الاعتماد مرة أخرى على الطلب المحلي، وهي مهمة صعبة دائماً، نظراً لإغراء الإفراط في التحفيز.

وتسببت وفرة السيولة في مختلف أنحاء العالم- نتيجة للسياسات النقدية الشديدة التساهل التي انتهجتها البلدان المتقدمة- في جعل هذه المهمة أشد صعوبة، إذ كانت أقل إشارة إلى النمو في أحد الاقتصادات الناشئة تجتذب رأس المال الأجنبي، وإذا لم تُدَر هذه التدفقات على النحو اللائق، فقد تعمل على التعجيل بحدوث طفرة في أسواق الائتمان والأصول وقد تدفع أسعار الصرف إلى الارتفاع. وعندما يتم تشديد السياسات النقدية في البلدان المتقدمة في نهاية المطاف، فإن بعض رأس المال من المرجح أن يغادر، وسوف يكون لزاماً على الأسواق الناشئة أن تضمن أنها ليست عُرضة للخطر.

لا شك أن آفاق الاقتصاد العالمي من الممكن أن تسلك منعطفاً نحو الأفضل، فقد تصبح الولايات المتحدة محرك النمو العالمي الجديد، وقد يوفر انحدار أسعار النفط دفعة قوية، خصوصاً للبلدان المتقدمة المستوردة للنفط، وربما تهب التكنولوجيات المتقدمة للإنقاذ.

ولكن في عموم الأمر، هناك شعور كئيب واضح في العالم المتقدم، شعور بأن النمو من غير المرجح أن ينطلق في المستقبل القريب، وإذا استمر الركود المادي، فإن هذه البلدان ستضطر إلى تنفيذ إصلاحات بنيوية مؤلمة، فضلاً عن محاولة التوصل إلى الكيفية التي قد تتمكن بها من إعادة هيكلة وعودها (التعهدات الخاصة بالديون والأمان الاجتماعي، والإبقاء على الضرائب منخفضة)، وتوزيع الأعباء الناتجة عن ذلك. بعد تقدم مدينة ديترويت بإعلان إفلاسها في عام 2013، كان لزاماً عليها أن تتخذ اختيارات عصيبة بين خدمة مصالح المتقاعدين أو سداد الديون، وبين الإبقاء على متاحفها مفتوحة أو الإنفاق على قوات الشرطة، وفي حين نتجه إلى عام 2015 الآن، فإن قرارات عصيبة مماثلة قد تصبح شائعة على نحو متزايد.

* محافظ بنك الاحتياطي في الهند، وهذا التعليق مقتبس من محاضرته عن بهارات رام، التي ألقاها في دلهي في الثاني عشر من ديسمبر 2014.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top