إيران تنتصر إذا مدّد أوباما محادثات «النووي»
لا تكمن المشكلة في أنّ الولايات المتحدة لا تريد إرغام إيران على أخذ تداعيات الرفض على محمل الجد فحسب، بل في أنّ أوباما يبدو أشد حماسةً لافتتاح حقبةٍ جديدة من الوفاق مع طهران، وليس لاتخاذ إجراءاتٍ فعلية تجبر الإيرانيين على التعقّل.
برهن الرئيس أوباما على بعض الشجاعة عندما أعلن في برنامج "هذا الأسبوع" على شاشة "إي بي سي" أنه لن يتراجع فوراً عن كل العقوبات المفروضة على إيران إذا وقّعت الأخيرة اتفاقاً نووياً مع الغرب، لكن بغض النظر عن هذا البيان العاقل، قد تعمّق تعليقات الرئيس قناعة إيران بفوزها في أيّ مفاوضات ودنوّها من أن تصبح قوة نووية أساسية. من ناحية أخرى، لطف أوباما لهجته في ما يتعلق بكل نقاط المحادثات الباقية. وفي حين لم تظهر إيران أي ليونة حول أي مسألة مهمة، أشار المفاوضون الغربيون إلى أنهم لن يصروا على كشف طهران معلومات حول برنامجها العسكري للأبحاث النووية، حتى إنهم أعلنوا استعدادهم لتمديد المهلة النهائية للمفاوضات. وإن صحت هذه الأخبار، فإن أي خيار يشكل انتصاراً بارزاً لإيران وضربة قاضية لأي أمل بالحد من تحولها إلى قوة نووية. ولا يندرج التنازل المتمثل في قبول عدم كشف طهران أي معلومات حول ماضيها في هذا المجال في خانة الاهتمام التاريخي فحسب، فمن دون تقرير كامل حول كل ما عمل عليه الإيرانيون في الماضي وكل ما يعملون عليه حالياً من تطبيقات عسكرية لبرنامجهم النووي، ما من مجال لمعرفة مدى اقترابهم من صنع قنبلة أو إذا كان هناك أي إمكانية للتصدي لأي خرق في صنعها، أو لأي تهرّب من الالتزام بما وعدوا به سابقاً.أما الخرق، فيعني إعادة تحويل مخزون اليورانيوم الإيراني المخصب إلى أيّ نوعٍ آخر يمكن استعماله لصنع قنبلة، وتقوم استراتيجية الولايات المتحدة في المفاوضات- والتي تخلت عن وعود أوباما السابقة بتفكيك برنامج إيران النووي وقرارات الأمم المتحدة المطالبة بوقف التخصيب- على البحث عن شروطٍ تطوّل "مرحلة إمكان الخرق" بشكلٍ يعطي للغرب الوقت الكافي لوضع حدٍّ لإنتاج القنبلة، لكن من دون الاطلاع على كلّ ما تقوم به إيران، تفقد كلّ تقديرات التصنيع المصداقية، مما يزيد فرضية أنّ أي صفقة لن تفشل في إيقاف المشروع الإيراني فحسب، بل ستؤسس لنجاح هذا المشروع في غياب أيّ رد غربي أساسي.
يتزامن مسعى إيران الناجح في التشبّث بعدم الإفصاح عن نشاطاتها مع جهودها المستمرّة والناجحة كذلك لعرقلة كل محاولات الوكالة الدولية للطاقة الذرية للنفاذ إلى بنيتها التحتية النووية بأكملها، بما فيها الأماكن التي يشتبه في القيام بأبحاثٍ عسكريةٍ فيها، وكما أوضحت صحيفة نيويورك تايمز في مقالةٍ نُشرت في صفحتها الأولى فإن ثمة خطراً يفوق ما يتمّ التباحث بشأنه الآن، وهو أن تنشئ إيران برنامجاً نووياً سرياً، ما يشكل خطراً أكبر من ذاك الناجم عن المنشآت المعروفة، حيث فشل الغرب في التحقق من امتثال إيران بالجهود المطلوبة، والأخطر أيضاً هو انفتاح أوباما لتمديد جديد للمحادثات.ويمنح تبرير تمديد فترة المحادثات ثانيةً بعد انقضاء فترة التمديد الأولى خلال الصيف إيران المزيد من الوقت بحيث تقترب من تحقيق طموحاتها النووية من دون أي إمكانية لمراقبة غربية ولو بسيطة، علاوةً على ذلك، لم تلتزم إيران بصفقة العام الماضي وعلى عكس ما يؤكده الرئيس، لم تضع الصفقة حداً للبرنامج النووي ولم تشكّل إلا عائقاً وهمياً. لا تكمن المشكلة في أنّ الولايات المتحدة لا تريد إرغام إيران على أخذ تداعيات الرفض على محمل الجد فحسب، بل في أنّ الرئيس يبدو أشد حماسةً لافتتاح حقبةٍ جديدة من الوفاق مع طهران، وليس لاتخاذ إجراءاتٍ فعلية تجبر الإيرانيين على التعقّل. وأعاد أوباما التأكيد مجدداً أنه راغب في بناء علاقةٍ جديدة مع النظام الإسلامي مع رفضه لأيّ زيادة في العقوبات بشكلٍ يحدّ من مدخول إيران النفطي الذي يبقي النظام على قيد الحياة. ويظهر هذا السلوك الرئيس الأميركي كشخصٍ يفتقر إلى الشجاعة اللازمة لخوض مواجهاتٍ يستسيغها القادة الإيرانيون. ومع انتشار معلومات حول تمديد فترة المفاوضات من 6 إلى 12 شهراً إضافياً، تزداد فرص تشبّث الإيرانيين بمواقفهم ومضاعفتهم للنشاطات السرية بعيداً عن أعين الوكالة الدولية للطاقة الذرية.وبينما تتمسك إيران بموقفها الذي يحمي خيارها النووي، يعطي الرئيس أوباما أكثر من برهان على حماسته للتوصل إلى صفقةٍ أكثر من نيته لوضع حدٍ لتحقيق الإسلاميين لهدفهم النووي.وبما أنّ تغيير الرئيس أوباما لرأيه في اللحظة الأخيرة هو احتمال مستبعد حتى الآن، يبدو في الوقت الراهن، أنّ الرابح الأكبر هو إيران، سواء وقع الطرفان الاتفاق الضعيف أم لا، أما أمن الغرب وحلفائه كإسرائيل والعرب المعتدلين فهو الخاسر الأكبر!* جوناثان س. توبين