البلد في حالة مشاجرة دائمة؛ قتل في الأفنيوز، وفقء عين في الخيران، وطعنات في مستشفى الجهراء... إلخ، مسلسل مستمر منذ سنوات، وتتفاقم أحداثه دائماً في العطل الرسمية ونهاية الأسبوع، لاسيما أن حجم البلد وتعداد سكانه لا يتناسب مع عدد ووتيرة تلك الجرائم التي يتورط فيها دائماً أبناء الديرة أو خليجيون، يتصرفون في الكويت بشكل مختلف عما نراهم عليه في بقية دول مجلس التعاون الخليجي.

Ad

الناس يتكلمون بصراحة أن هناك متغيرات طرأت على تركيبة المجتمع جعلت مكوناته الجديدة في حالة توتر واستنفار دائمين، ومتحفزة لتدافع عن مواقع افتراضية وخيالية لها في الديرة، متنازع عليها غرستها بالوهم في مخيلتهم الممارسات السياسية والعنف اللفظي، وأحياناً الجسدي، الذي كان يتصدر الحدث السياسي في قاعة مجلس الأمة طوال السنوات العشرين الماضية، والذي حذر كثيرون من تبعاته، وانتقل لاحقاً إلى حرم جامعة الكويت ومؤسسات تعليمية أخرى مختلفة، إضافة – بالطبع - إلى ما شهدته حقبة ما بعد التحرير (1991) من تداعي تطبيق القوانين والتسيب في الديرة.

ولنكمل الصراحة كما يتناولها الناس، فإن معظم دول الخليج فيها حريات أكبر من حيث الترفيه والمشروبات، لكن لا نجد أبناءهم يتقاتلون في الشارع أو المجمعات كما نفعل نحن، وبموازاة ذلك  يتفاخر أعضاء مجلس الأمة السابقون وبعض الحاليين بأنهم على مدى 35 سنة أقفلوا البلد وغيروا طبيعة هذا المجتمع عنوة بمساعدة الحكومة ومباركتها. وبعد أن كانت أماكن الترفيه متوافرة في الكويت، وتحت رقابة أجهزة الأمن والسلطات المعنية أصبحت مخفية يسهل على تجار السموم -المخدرات- الولوج إليها بعد صدور قوانين، مثل ضوابط الحفلات وخلافه، ولن تستطيع الدولة، ولو جندت الآلاف من عناصر المباحث، أن تمنع تلك التجمعات والحفلات الشبابية السرية.

أقفلوا البلد، فأصبح الناس في العطل الرسمية والأسبوعية يتوجهون إلى المطار أو الترفيه السري أو "الجز"، وهم مستنفرون في المجمعات التجارية بدون هدف سوى إفراغ رغباتهم البشرية بعد أن أصبحت ممارسة الفنون حراماً، والرياضة وسيلة أو ممراً للسياسة، والمشاريع ملك مجموعة محدودة، فتحول البلد إلى مرجل يغلي، الكل فيه يريد أن ينفجر في وجه الآخر رغم كل خيراته، ورغم موروثنا الذي كان فيه الكويتيون رحماء في ما بينهم، دائماً، وتحول الوضع الآن إلى حمل السكاكين والعجرات والــ"رنج بوكس" وهو ما يؤشر إلى محنة البلد، لا مجرد "هوشة" في البلد!

وهي المحنة التي تحتاج إلى مقاربة مختلفة من الدولة بعد الرعب الذي تعيشه العائلات خوفاً على أبنائها وبناتها في المجمعات والأماكن العامة، فمتى ستطلق وزارة الداخلية مفهوماً جديداً للأمن في الأماكن العامة وتصبح وظيفة الأمن فيها مهمة دولة لا يمكن للمالك أن يعترض على تدابيرها، ومتى سيتم فرض مقاييس جديدة لمواصفات رجل الأمن الجسدية والمعدات التي يحملها للتعامل مع عمليات الفوضى والتخريب؟ ومتى ستراجع التشريعات لفرض هيبة رجل الأمن ضمن القانون والانضباط المطلوب ممن يحمل شرف تمثيل الدولة بالزي العسكري؟ وكذلك متى تتم مراجعة التشريعات لإعادة فتح المجتمع الكويتي لتكون مواقع الترفيه متوافرة للجميع، وتحت رقابة ومتابعة الجهات المعنية في الدولة؟!