يستيقظ السؤال معي كل صباح: إلى أين تراها ذاهبة أوطاننا العربية؟ ويبدو السؤال عن مستقبل الآداب والفنون كنوع من البطر، بالنظر إلى الأوضاع السياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية التي نحيا.

Ad

لقد كانت توقعات النخب الفكرية والسياسية والثقافية العربية والعالمية لهذه المنطقة أعجز بكثير من أن تشخّص الواقع الذي نعيش، وكانت في أفضل تجلياتها وتفاؤلها مجافية تماماً لما تمخضت عنه أحداث المنطقة العربية خلال السنوات الأربع الأخيرة.

النزاع العربي الإسرائيلي والقضية الفلسطينية كانا الشعار الأهم لأبناء الأمة العربية، طوال عقود من الزمن، وتحديداً منذ الـ48 والعدوان الثلاثي على مصر في الـ56، وأخيراً انكشاف المستور في هزيمة عام 1967. فالهزيمة كانت صفعة مدوية وفاضحة في وجه الحكومات العربية والمثقفين العرب. وكانت انعطافة في كل النتاج الفكري والإبداعي. بعدها أخذت القضية الفلسطينية زخماً أكبر، وتحول المفكرون والمثقفون العرب لقراءة الواقع ببوصلة جديدة، بغية السير في طريق التحرر والحرية.

حركات ثلاث لفتت عقول النخب من أبناء المنطقة: القومية، واليسارية، والبعثية، وبعد قرابة العقود الأربعة، يبدو واضحاً أن أيا من هذه الحركات لم تستطع أن تقدم شيئاً ملموساً لأبناء الأمة العربية، باستثناء الخيبة والسجون والدكتاتورية. لذا انساق سوادٌ كبير من أبناء المنطقة وراء الفكر الديني بتدرجات أطروحاته، وكان أن غشي هذا الفكر أقطار الوطن العربي، ولبس زيا متباينا بين قطر وآخر.

اليوم، وبعد اندحار القومية واليسارية والبعثية العربية، وبعد انكشاف أوجه وممارسات الفكر الديني، يعيش أبناء الوطن العربي وضعاً مأساوياً لم يكن أكثر المتشائمين ليستطيع تصوّره. وهذا يحتم على أصحاب القرار، وعلى مراكز البحث والدراسات في مختلف أقطار الوطن العربي التوقف أمام السؤال: إلى أين نحن سائرون؟ والبحث الجاد والمرتكز لأسس علمية وعملية للإجابة عن هذا السؤال المعضلة.

تراجع كثيراً حضور القضية الفلسطينية على أجندات الحكومات والشعوب العربية، وانحسر بشكل كبير أثر الأحزاب السياسية الفكري، وتقطعت أوصال الوطن العربي الحلم، ولم يبقَ من متسيد على الساحة العربية إلا تفرعات الفكر الديني، من أقصى الأوصوليين الذين لبسوا ثوب الإرهاب، إلى المعتدلين الذين يؤمنون بالعقل، وينادون بالإسلام دين سلام ومحبة بين البشر قبل أن يكون دين قتلٍ وجز للرقاب.

لكن أبناء الوطن العربي في سوادهم الأعظم يسعون إلى عيش آمن، وإلى أبسط ما تتطلبه الحياة للإنسان من مأوى ومأكل وسلام، وحتى هذه الضروريات ما عادت متوافرة للإنسان العربي في بداية القرن الواحد والعشرين، وفي زمن صار يُطلق عليه بصدق وعملية: عالم "القرية الكونية"!

تعيش أقطار الوطن العربي حروباً وصراعات وعنفاً وحشياً يومياً، ويعيش أبناؤها قتلاً مجانياً، ويتربص بهم كل شذاذ الأرض. فقد أصبحت ساحات بلداننا العربية الغالية، ساحات حرب مغرية لكل المرتزقة في العالم، وصار الدم العربي أرخص ما يكون، وصار القتلُ ممارسة يومية بسيطة يقوم بها الصغير والكبير، دون أن يرف له جفن. ووسط كل هذا ينهض السؤال كالوحش المخيف: ماذا ينتظر أقطارنا العربية؟ وماذا ينتظر أبناءنا؟ ويغيم وجه السؤال أكثر إذا قلنا: وماذا عن أحفادنا؟ ويسقط عن السؤال معناه حين نتطرق للحالة الثقافية والفنية!

الكويت، وقلة قليلة من أقطار الوطن العربي، والحمد لله، تنعم بعيش حالة من الاستقرار، وربما هذا ما يؤهلها لأن تبحث في إجابة للأسئلة أعلاه. الكويت بتاريخها الثقافي وسمعتها العربية المرموقة، ودورها المشهود في التعاون مع جامعة الدول العربية ابان السبعينيات من القرن الماضي، لوضع "الخطة الشاملة للثقافة العربية" تستطيع جمع مفكرين عرباً وأجانب للوقوف على تصوراتهم المستقبلة للمنطقة ولأبنائها. ومنا إلى كل من يهمه الأمر.