بالعنوان {المكان والإدارة والمحلة}، يبدأ كتاب {اللاجئون الفلسطينيون في المشرق العربي: الهوية والفضاء والمكان}، حيث يُطلق نقاشاً نقديّاً متعلّقاً بأبعاد مفهومية مفتاحية، مسلطاً3 الضوء على مصطلحات جديدة خاصة باللاجئين والهجرة ودراسات الشتات.

Ad

 في هذا القسم تتناول  جولي بيتيت {رسم خرائط العنف والتهجير ومخيّمات اللاجئين (فلسطين والعراق)} الترابُط  بين المتخيلات الإثنية والطائفية للشرق الأوسط وبين التهجير المعاصر في فلسطين والعراق؛ إذ تحلّل إعادة تشكيل الحيّز البشري والأشكال المكانية الجديدة للاحتواء التي تُنتِج الهوية وتُعيد إنتاجها، وتُسهم في مقاومة التهجير. فثمة اليوم، بحسب الكاتبة، خطاب جديد يرتبط بغياب مخيمات جديدة في منطقة المشرق العربي، ويقول الخطاب بإيجاد نقاط تجميع للاجئين، أو مصايد لاستيعابهم، بدلاً من المخيمات.

في فصل {إدارة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسورية}، يبحث ساري حنفي عن فهم جديد لأبعاد مكانية وسياسية تحكم مخيمات اللجوء.  ويؤكد أنه يجدر بنا إعادة فحص البنى المتعلقة بإدارة المخيم، من زاوية الفصل، وليس من منظور أمني. هكذا يصبح {الفصل} المفهوم المركزي في النقاشات في ما يتعلق بالتركيز المكاني للخطر الاجتماعي، وبالإدارة المدينية أو المحلية.

وتتعمّق روزماري صايغ في مسألة المكان والهوية، عبر مساهمتها {تجسيد الهُويّة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين نظرة جديدة إلى المحلّي والوطني}. فهي تُحلل هوية مخيم اللجوء، مستخدمةً روايات محاصَرين من مخيمي جنين وشاتيلا، وتُظهر كيفية تشكّل الروايات بفعل تعدُّد المناخات السياسية التي يعيش فيها أبناء الشتات، وتشير إلى أنّ المقيمين في المخيمات يملكون حسّاً متميزاً بأنهم {جماعة} تتشارك أوضاع القمع والتهميش والفقر نفسها. وتدعو صايغ إلى تمثيل أكثر واقعيةً للجمهور الفلسطيني؛ لدراسة الدور السياسي لـ {المحلي} في زمن الأزمة الوطنية.

يبحث القسم الثاني {التحضر المديني والمكان والسياسات} في علاقة المخيمات الدينامية بمحيطها المديني؛ إذ تغيّر عملية التمدن أو التحضر وإيجاد مخيمات مدن، أو مدن مخيمات، البيئةَ المجاورة لمخيمات اللاجئين، فضلاً عن البيئة المبنية داخل المخيمات. ويدرس محمد كامل درعي {مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان: هجرة وحراك وتحضّر} مسار تمدن مخيمات اللاجئين في بيروت وتحضرها، ويبيّن أنّ المخيمات رغم أنّها مهمّشة ومعزولة، فهي لا تزال مرتبطة بمحيطها المديني عبر الأشكال المختلفة للحركية المكانية والاقتصادية. وتبيّن المساهمة أيضاً أنّ هذا الترابط يطمس، بالاشتراك مع الحضور المتزايد لمجموعات أخرى من اللاجئين والنشاط الاقتصادي الجديد، حدود المخيمات ويجعلها جزءاً من المدينة.

مستقبل مخيم

وفي فصل {لاجئون يخططون مستقبل مخيم الفوار: تجريب إستراتيجية تحسين مخيمات اللاجئين الفلسطينيين}، يناقش فيليب ميسلفيتز الدروسَ المستخلصة من مشروع تشارُكي هادف إلى إعادة تعريف البيئة المبنية في مخيم الفوّار للاجئين في الضفة الغربية. ويبيّن أنّ التحوُّل غير المدروس للبيئة العمرانية قد أنتج على امتداد عقود عدة مخيّمات حضريةً معقدةً غامضةً مكتظةً مشابهة لمدن الصفيح، رغم اشتمالها على مراكز تجارية وأسواق عدة. ويبيّن أنّ عملية التطوير التشارُكي للمخيم كانت في الوقت عينِه صعبةً وصراعيةً، لكنها ساعدت على إعادة تعريف علاقة السكان بـ {الأونروا}، وببرامج المساعدات المفروضة من الخارج لمصلحة عملية صناعة قرار أكثر تشاركيةً.

تُعالج المساهمة الأخيرة في قسم {نهر البارد: النتائج السياسية لكارثة اللجوء} الدمارَ المادي لمخيم اللاجئين وتداعياته السياسية السلبية. وفيها يحلل آري كنودسن التداعيات السياسية لتدمير مخيم نهر البارد بلبنان عام 2007؛ بهدف إعادة تعريف العلاقات السياسية بين اللاجئين وممثليهم السياسيين والدولة.

في القسم الثالث {الحقوق المدنية والوضع القانوني وجبر الضرر}، يدرس عباس شبلاق {جواز سفر بأيّ ثمن؟ الحرمان من الجنسية بين اللاجئين الفلسطينيين}، أثرَ حرمان الجنسية في اللاجئين الفلسطينيين، وفي تجاربهم وسُبُل عيشهم وحركيتهم داخل المنطقة وخارجها. وتفحص المساهمة المفاهيم المتغيرة للمواطنة في الخطاب السياسي الفلسطيني، وبين اللاجئين أنفسهم.

يُفضي نقاش الحقوق المدنية، في مستوى المقارنة الإقليمية، إلى رؤى جديدة بخصوص أوضاع اللجوء في ما يتعلّق بمشكلة حرمان الجنسية، والنقص في حماية اللاجئين من الناحية القانونية. في هذا السياق يُعنى جلال الحسيني وريكاردو بوكو، في دراستهما {ديناميّات المساعدة الإنسانية والسياسة المحلّية والإقليمية: لاجئو فلسطين حالة دراسية}، بتأثير الوضع القانوني الذي تمنحه الدول المضيفة في اللاجئين الفلسطينيين. وعلى نحوٍ أكثر تحديداً، يفحص تحليلهما قاعدة بيانات مستمدة من مسْح أُجريَ في خمس مناطق من عمليات الأونروا (الأردن، ولبنان، وسورية، وقطاع غزة، والضفة الغربية) كيفيةَ تشكيل الوضع القانوني للاجئين

و{تنظيمهم} بوصفهم مجموعةً من جهة، ونظرةَ اللاجئين إلى أنفسهم على أنّهم منفيُّون في تلك الدول من جهة أخرى.

في المساهمة الثالثة والأخيرة في هذا القسم {اللاجئون الفلسطينيون وجبر الضرر: سياسة التأسف}، تدرس شهيرة سامي المقاربات الجديدة للتعويض وجبر الضرر والاعتذارات الرسمية المستخدمة في حقل العدالة الانتقالية، وتقدّم نظرةً عامةً إزاء الممارسة الدولية في ما يتعلق باستخدام التعويض والاعتذار.

الذاكرة والتدامج

يُدقّق القسم الرابع {الذاكرة والقدرة والتدامج} بالوسائل التي اعتمدها اللاجئون في المنفى الممتدّ والاحتجاز، من خلال إعادة تعريف علاقات القربى وبنية العائلة والسرد المجندَر. ويدرس سيلفان بيرديغون الترابط بين وضع اللجوء، وعلاقة القربى وإستراتيجيات الزواج بين أبناء مخيم للاجئين في منطقة صور في دراسته {المؤسسة الوحيدة الباقية والقابلة للحياة (الأسرة)}. وعبْر مراقبة مفصَّلة لسرديات اللاجئين وتاريخ حياتهم، تلتقط هذه الدراسة الإثنوغرافية الحساسة الإستراتيجيات الفردية والعائلية المعتمدة في الزواج، وهي إستراتيجيات تُستخدم لمواجهة العقبات الاجتماعية والسياسية الكثيرة التي تعترض اللاجئين المقيمين في المخيم، للتغلّب عليها في نهاية المطاف.

وتُعنى ماريا هولت في دراستها {عالم متحرِّك: ذاكرة الفلسطينيات وواقعهن في مخيمات لبنان} بموضوع إرادة اللاجئات وقوتهن. وتعدُّ مساهمتها بمنزلة تحليل دقيق لسرديات نساء يستخدمن الذاكرة في تكوين المكان والسعي إلى الهرب من يأس الحاضر. وتحاجّ هولت بأنّ {الشتات الفلسطيني}، وهو من نوع {الشتات الضحية}، طوّر نوعاً محدداً من الهوية المجندرة العابرة للأجيال في آنٍ. فالسرد النسائي للقصص مفتاحٌ لتشكيل هوية النساء، ومن خلال جندرة الماضي، يحتضن ذاكرة الأزمنة والأمكنة الأخرى بوصفها مصادر للراحة والحماية للمحرومات منهن، خصوصاً في سياق انعدام مزمن للأمن والاستقرار، ومن ثمة قد يُعدّ ذلك النوع من السرد سرداً جماعيّاً لأجل البقاء.

وتُحلل منال قرطام دور الفاعلين المحليين في المسار التعاوني بمخيم شاتيلا في دراستها {السياسة والمحسوبية واللجان الشعبية في مخيم شاتيلا}، وتعرض حالةً دراسيةً للتنظيم الذاتي والإدارة الذاتية مثيرةً للاهتمام؛ ذلك أنّ سكان المخيم يشكلون لجنةً لتحسين أوضاع الحياة الصعبة، وينصِّبون قيادةً ديمقراطيةً منتخبةً بالاقتراع الشعبي، غير أنّ هذه المبادرة الإصلاحية الشعبية تنهار في مواجهة تهديدات القوى التقليدية الممسكة بزمام السلطة في المخيم. وبوجهٍ أعمّ، تُظهر الدراسة مشكلة مواجهة الأنماط التقليدية لإدارة مخيمات اللاجئين في لبنان التي لا تمثل الصوت الشعبي ولا المشاعر الشعبية، رغم اسمها البرّاق {اللجان الشعبية}؛ لأنّ قواعد السلطة خاصة بزعماء سياسيين غير محليين.