ويتكرر الملعوب
إزالة «داعش» بالتحالف المعلَن ستكون نتيجتها أحد الاحتمالات التالية: إما اعتبار السنّة في العراق أن هذا مشروع لتحجيم مناطقهم وعزلهم بدون نفط، وبالتالي فإن السنّة في هذا التحالف سيفقدون السنّة في العراق، وإما أن الشيعة في العراق سيعتبرون إبعاد إيران عن التحالف جزءاً من مؤامرة لتحجيم الشيعة والاستفراد بهم بعد الانتهاء من «داعش».
يصنعون دكتاتوراً هنا أو هناك، أو تستثار أمة على أمة، أو يستأجرون قتلة ومخربين، أو يشعلون فتناً بين طوائف أو قبائل أو طبقات ليقولوا لعامة الناس والحكام إن مستقبلكم واستمرار حياتكم مهددان ما لم تستنجدوا بنا وتطلبوا الحماية، وتدفعوا لنا ثمن الحماية مالاً ومزايا اقتصادية وسياسية، تجعلنا تحت رحمتهم إلى أبد الآبدين. يرشون الناس ويخربون الذمم ويستعبدون الحكام، ويتركونهم يلعبون كما يشاؤون، وحين يجدون أطرافاً أكثر استعداداً لمنحهم مزايا أفضل يضحون بالحكام ويشنعون مفاسدهم ليناصروا التغيير، ويبدؤون عهداً جديداً يداهنونه فترة حتى إذا أحسوا فيه تغييراً أشعلوا مشكلة أو فتنة جديدة مع دكتاتور جديد أو جماعات جديدة لإرغام الحكام على استمرار خضوعهم، وإلا قدموا لنا طامعاً جديداً ليتكرر معه الملعوب مرة أخرى. وللأسف يتم هذا في غياب قوى وطنية لا عرقية ولا طائفية تقود المجتمع للأمام أو على الأقل تقف أمام هذه المؤامرات المتكررة، فالدول الاستعمارية هذا ديدنها، ففي السابق كانت ترسل جيوشها لكنها الآن تملك إرهابيين محليين يفعلون المطلوب دون أن تخسر عنصراً واحداً من أفراد قواها العسكرية أو الاستخباراتية.الملعوب اليوم اسمه "داعش" وجدناه في لحظة على الساحة لاعبا جديداً، كان اسمه "القاعدة" ثم قيل إنه يختلف عنها، ربما لأن اسم "القاعدة" استهلك ولم يعد جذاباً كما كان، فتبدل الاسم وزاد على "القاعدة" بإعلان دولة الإسلام، عاث التنظيم في الدنيا قتلاً وتدميراً وبدأ إعلام الغرب بالمساهمة المطلوبة لزيادة الرعب من هذه المجموعة الهمجية حتى تنضج اللعبة وتصرخ الدول المهددة بطلب المعونة من صانعي "داعش" أنفسهم.للأسف إن الحكام العرب بلعوا الطعم وشكلوا تحالفاً دعت له الدول الغربية للاستعداد لمواجهة تنظيم هزيل مرتزق يمكن إنهاؤه بكل بساطة؛ حتى مع الدعم المالي والعسكري والتخطيطي ونظم الاتصال الحديثة التي تمده بها إسرائيل والدول الغربية، إذ يمكن لتحالف محلي من الدول المؤثرة أن يقوم وبطريقة أفضل وآمن من التحالف الذي يتصارع لإنشائه عدد من الدول الغربية.لعبة سمجة واضحة وضوح الشمس؛ مشروع تقسيم العراق قائم والخلاف بين اللصوص على من يأخذ ماذا، وهو خلاف ليس بين العراقيين لكنه بين الدول الكبرى وبعض أذنابها في العراق، ومن العراق أرادوا خلق مناخ موات يمزقه من الداخل ويفتح المجال واسعاً للاستعمار الجديد، ثم الانطلاق لاستكمال تقسيم الوطن العربي.إن التحالف الذي أُعلن عنه ستكون عواقبه وخيمة على الدول العربية في مستقبل الأيام، فإزالة "داعش" بهذا الأسلوب ستكون نتيجته أحد الاحتمالات التالية: إما اعتبار السنّة في العراق أن هذا مشروع لتحجيم مناطقهم وعزلهم بدون نفط، وبالتالي فإن السنّة في هذا التحالف سيفقدون السنّة في العراق، وإما أن الشيعة في العراق سيعتبرون إبعاد إيران عن التحالف جزءا من مؤامرة لتحجيم الشيعة والاستفراد بهم بعد الانتهاء من "داعش"، أي أن الدول العربية ستخسر شعب العراق كله، وبالتالي ستفقد الاستقرار في كل المنطقة، في حين أن العقل يفرض أن "داعش" قضية محلية إقليمية أصحاب الدار أولى بحلها بلا غرب أو شرق، وأن تحالفاً فيه إيران مع الدول العربية تكون فيه مصالح الجميع متوازنة، وتنطلق من مبدأ وحدة الوطن العراقي وتقوم بمهمة عزل "داعش" وتفكيكه وحماية وحدة العراق واستقلاله، أرجو أن تعيد الدول العربية النظر في موقفها وتصحيحه قبل فوات الأوان، ولتقف صفاً واحداً أمام أطماع إسرائيل والغرب بكل أشكالها.