عنوان المقال مثل يمني يصف حالة اليأس عندما تجعل ما يحصل في شهر شعبان يرجع إلى ما حدث في رجب، بما يعني حالة يأس وتراجع مشكلة معينة إلى مربعها الأول، كشعبان الذي كأنه عاد إلى رجب!

Ad

في اليمن الذي كان يلقب بـ"السعيد" ، الحال لا تسر الصديق ولا المحب، والتناقضات السياسية وصلت إلى حد التراجيديا المحزنة،

فمنذ بدايات الربيع العربي المشؤوم كانت الأحداث في بلاد سبأ تتلاحق مع تحركات شعبية في صنعاء وحراك جنوبي ينطلق من عدن، وأحداث تجري بين الحوثيين والسلفيين في دماج وبعدها عمران، وتنظيم "القاعدة" الذي يظهر رأسه بين الوقت والآخر، وطائرات أميركية بدون طيار تعودت دخول الأجواء اليمنية لضرب "القاعدة" كما تدعي، وبإذن من نظام علي عبدالله صالح الذي يسمح (كما يدعي) لتلك الطائرات التكنولوجية بأن تقصف أهدافاً ببلده وهو يتلقى أو يعلن ذلك بكل سرور!

بعدها فلتت الأمور شيئاً فشيئاً من صالح وحزبه، وتقريباً بانت الأمور واقتربت من الحسم، عقب حادث التفجير في مسجد القصر الرئاسي الذي نجا منه صالح بأعجوبة.

بعد ذلك تحركت دول مجلس التعاون الخليجي ليظهر نموذج المبادرة الخليجية التي كانت تصنف على شكل "لا ضرر ولا ضرار" أو بطريقة "لا غالب ولا مغلوب"، وبالفعل سارت الأمور، وإن على مضض، بدءاً بتنحي صالح بعد حصوله على مميزات نادرة، وتم تحصينه من الملاحقات القانونية، وتسلم نائبه عبدربه هادي مقاليد الحكم.

ونتيجه لعدم تمكُّن هادي من الإمساك بقوة بزمام الأمور وافتقاده المهارات المطلوبة لإدارة سياسية لبلد متناقض السياسات، ويحوي ألف مشكلة ومشكلة، فقد سارت الأمور كما يحب أعداء اليمن، حيث تمكنت ميليشيات الحوثيين من تحقيق تقدم سريع نتيجة دعم متواصل من حلفائها الخارجيين الذين بعد خروح صالح استطاعوا، بطريقة أو بأخرى، توصيل الدعم المطلوب إلى الحوثيين!

ولأن اليمن هو ساحة فيها البقاء للأقوى، فقد تمكن الحوثيون من قلب المعادلة بعد عدة تلاعبات سياسية وتقدُّم عسكري سريع من تسلم كثير من المقاليد الأساسية للقيادة في اليمن، وبمساندة ودعم من الرئيس السابق علي عبدالله صالح! الذي بهذه التحركات أراد إثبات أنه لايزال صاحب كلمة قاطعة في اليمن، مستغلاً عدة ظروف أهمها ضعف الرئيس هادي!

شاهد بعدها المجتمع الدولي وعلى الهواء مباشرة ما حصل في سبتمبر الماضي من دخول الحوثيين صنعاء، وتسلمهم كثيراً من الثكنات العسكرية والأمنية وبلا مواجهات وبطريقة غريبة وعجيبة، وكنت قد تحدثت عما جرى في مقال سابق بيَّنت فيه أوجه التشابه بين سقوط صنعاء والموصل في العراق من قبل "داعش" وبدون مواجهات وكأن "المخرج واحد"!

حتى نكون واضحين، بعد سبتمبر أصبحت بقية الأحداث في اليمن "تحصيل حاصل" و"إثبات مثبت"، فالحوثيون ثبت تحالفهم مع الرئيس السابق الذي يسعى من خلالهم إلى إثبات أنه الوحيد القادر على إدارة اليمن، والرسالة هنا موجهة أكثر إلى الدول الخليجية قبل المجتمع الدولي .

والآن، وبعد استقالة الرئيس هادي وحكومته بعد أحداث القصر وابتزاز الحوثيين وتمكنهم من تحقيق الأمر الواقع يبدو واضحاً التحرك الذي يقوده الرئيس السابق للعودة إلى الحكم، حتى لو عن طريق تنصيب ابنه عبدالله قائد الحرس الجمهوري السابق إبان رئاسته، وفي مشاهد تبين أنه لا اعتراض من الحوثيين على ذلك، أو على الأقل لم يتعرض له أحد منهم حتى الآن!

الآن اليمن أمام حلين، إما عودة الرئيس السابق علي عبدالله صالح بنفسه أو عبر ابنه، وفرض نفسه أمراً واقعاً، أو إعلان الحوثيين تسلمهم "رسمياً" حكم اليمن، وهم من يمسك بزمام أغلب المقاليد فيه .

ما أعتقده، حسب المعطيات الحالية، أن الطرق يتم تمهيدها لعودة صالح بنفسه أو بأي شكل آخر، ويبدو أن المبعوث الأممي جمال بن عمر لن يعترض على ذلك!

اليمن وضعه معقد ومتشابك، ودول كثيرة دخلت على الخط، والحراك الجنوبي يريد إعادة عقارب الساعة إلى ما قبل سنة 94 من القرن الماضي، وكثير من التناقضات تبرز بين وقت وآخر، وهذه طباع اليمن السياسية في الوقت الحالي!