صار جلياً للفنان والمتابع للفن التشكيلي داخل الكويت وخارجها، أن مأزقاً كبيراً يعصف بهذا الفن الجميل، منذ ما يزيد على عقد من الزمن، فهناك خلاف حاد وصل حد القطيعة بين عدد من فناني الكويت التشكيليين المخضرمين وبين "الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية"، وهناك مجاميع تشكيلية يعمل كلٌ منها منفرداً، إضافة إلى اللغط المتجدد الذي يتداوله الفنانون التشكيليون في طبيعة مبادرة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لإحياء "المرسم الحر"، وضرورة وجود ضوابط مدروسة ومحددة لهذه المبادرة، فالبعض اقتنص فرصة سانحة وهنأ بها، والبعض ما زال غاضبا ساخطاً يصب جام غضبه هنا أو هناك!

Ad

وإذا كان حال أهل الفن التشكيلي في الكويت لا يسرّ، فإن "الغاليريات" الخاصة تعيش معاناة خانقة، أدت إلى إغلاق واحدة من أهمها، وأعني بذلك "غاليري تلال" لصاحبته الأستاذة سلوى القاضي، وذلك في شهر مايو الماضي، وسط تجاهل الجهات الرسمية والأهلية لما يجري، وكأن الفن التشكيلي الكويتي لم يكن في يوم من الأيام واجهة مشرقة للإبداع الكويتي، أو كأن الفنان التشكيلي الكويتي، لا ينتمي إلى هذا المجتمع، الذي يشير الدكتور خليفة الوقيان في كتابه (الثقافة في الكويت... بواكير، اتجاهات، ريادات) إلى أن ظهوره جاء في القرن التاسع عشر.

الغاليريات الخاصة، تعمل بهمة وقوة الدفع الذاتي، ولذا فإن محباً للفن التشكيلي في الكويت، يقدم تحية إجلال وتقدير لأصحاب هذه الغاليرات، ولأولئك المخلصين القائمين على تنظيم معارضها، مثل: غاليري بوشهري، ودار الفنون، وقاعة كاب، وغاليري سلطان، وغاليري فا للفنون. خاصة وأن معارضها تعاني من قلة الرواد، وضعف الشراء، وعزوف أصحاب المؤسسات المالية الكبيرة كالبنوك والشركات المالية والاستثمارية عنها.

الفنان التشكيلي الشاب حائر في انتمائه لأي جهة، وهو يعاني بشكل كبير عدم اعتراف المجتمع بأهمية فنه، وعدم وجود ناقد فني متخصص، يلعب دوراً مهماً في أن يكون وسيطاً بين اللوحة والفن التشكيلي وجمهور العامة.

مبادرة غاليري "بوشهري"، الذي تأسس عام 1981، لصاحبه الفنان جواد بوشهري، ومديره الفنان يحيى سويلم، في عمل معرض فني تحت عنوان "أساليب واتجاهات للنخبة من الفنانين الكويتيين الشباب" تعدّ مبادرة مهمة، فلقد جمعت (21) فناناً تشكيلياً بأعمال لافتة، مما يظهر وجود جيل من الشباب الكويتي المبدع، الذي يرى في اللوحة طريقاً إنسانياً مسالماً لإيصال قناعاته وهمومه وأحلامه، كما يستطيع زائر المعرض أن يرى التنوع الكبير للمشاركين في انتماءاتهم لمختلف المدارس الفنية. وما يميّز المعرض هو دقة الاختيار، فالمعرض يقدم صفوة من الأسماء التشكيلية المعروفة، لكن الأهم هو تقديم أسماء شابة جديدة بموهبة كبيرة، تستحق الالتفات والاحتضان والرعاية. ومما جاء في كلمة المقدمة في كاتلوج المعرض: "ما أحوجنا هذه الأيام لتقديم الدعم والدفع بهذا الجيل، ليحققوا نجاحاً ملحوظاً وازدهاراً يماثل ما شاهدناه من جيل الستينيات، عندما تحسن وتفوق انتاجهم واستطاعوا أن يعلوا بالفن التشكيلي الكويتي خلال معارضهم السنوية المحلية ومشاركاتهم الدولية بالخارج. إن الدفع لممارسة الفنون التشكيلية على مستوى عال ليس من قبيل الترف والتسلية، بل هو ضرورة إنسانية لها دورها البنّاء في تقدم الأمم وتطورها، وتشكيل واجهة حضارية يقاس بها رقي المجتمع".

إن قيام غاليري "بوشهري" بمبادرة فنية لدعم الجهد الشبابي الكويتي، وقبله قيام قاعة "كاب" للفنون بإدارة الفنان عبدالرزاق القادري والفنانة أميرة بهبهاني، بتنظيم معرض شارك فيه أكثر من (80) فنانا تشكيلياً بعنوان "تكلم حباً واصنع سلاماً" هي جهود تستحق من المسؤولين الاهتمام، وتستحق من الشركات والبنوك الالتفات إليها، من باب تشجيع الفن والتزامهم بالمسؤولية المجتمعية تجاه الفنون.