نظرة إلى فترة السبعينيات التي تمثل حقبة التحديث أو الخطط التنموية الخليجية تجعلنا ندرك أهمية الاتجاه نحو إنشاء المؤسسات التعليمية الخاصة، رغبة في إنتاج الكوادر العلمية و «الثقافية» المناسبة لتلك المرحلة، حيث كان للمدارس الخاصة جمهور راغب في استيراد أو استرداد القيمة العلمية الجيدة لأبنائه.

Ad

مازال قطاع التعليم في دولنا الخليجية يفتقر إلى الاهتمام والتقييم الذاتي، أقول ذلك أثناء متابعتي لورش العمل حول الولوج من بوابة التعليم إلى النهج التنموي حسب تصريحات المسؤولين.

 ولو عدنا إلى فترة السبعينيات، أي حقبة التحديث أو الخطط التنموية الخليجية، لأدركنا أهمية اتجاه الاهتمام نحو إنشاء المؤسسات التعليمية الخاصة رغبة في إنتاج الكوادر العلمية و"الثقافية" المناسبة لتلك المرحلة، بعدها أصبح للمدارس الخاصة جمهور من الراغبين في استيراد أو "استرداد" (الأمر متروك للقراء) القيمة العلمية والخدمات التعليمية الجيدة لأبنائهم.

 وأذكر في تلك الفترة مدرسة الجميل، التي أسسها رجل الأعمال اللبناني عادل رزق وأدارتها زوجته السيدة خولة رزق، وقد استطاعت أن تجتذب النخبة من المجتمع الكويتي، فأقرت اللغتين الفرنسية والإنكليزية بالمرحلة الابتدائية، واستعانت بقراءات عربية خارجية لضمان سلامة النطق لدى الأطفال، أما مدرسة فجر الصباح فقد اتخذت الجانب الجدي من التعليم، وحرصت على أن يصل فائقوها إلى نهائيات الثانوية العامة كل عام، ومدرسة دار الحنان أيضاً التي أدارتها السيدة سلوى أبوخضرا، والتي سعت جاهدة إلى توطين الفلسطينيين المقيمين في الكويت والاستفادة من الدعم الحكومي لتعليم غير الكويتيين خلال الفترات الصباحية والمسائية معاً.

 بعدها أدركت الدولة حاجتها إلى مؤسسات حكومية تعليمية "متجددة" لاستيعاب التطور في المؤسسات التعليمية في القطاع الخاص، فاستهدفت السياسة الجديدة زيادة الرواتب لدى القطاع التعليمي الحكومي، وتسببت في هروب أعضاء هيئة التدريس من "الخاص" إلى الحكومة، تاركين القيمة النوعية ومقبلين على القيمة الكمية وامتد الاهتمام إلى دول الخليج، فأدركت حاجتها إلى كوادر مؤهلة لتواكب الموجة التنموية الأولى (مازلنا في فترة السبعينيات) فبرزت الحاجة إلى إعادة النظر في سياساتها التعليمية، وانقسمت الآراء بين مؤيدي الاستثمار في التعليم الموجه لتطوير المهارات والتدريب أي "التطبيقي"، وبين مؤيدي فتح المجال لمؤسسات الدراسات العليا والمسمى بالنظري.

واليوم، وبعد نحو خمسين عاماً، عادت دول الخليج لتجد نفسها على مشارف موجة تنموية أخرى، وعاد السيناريو الخاص بموازنة العرض بالطلب واستحداث معادلة للتنسيق بين التعليم ومتطلبات سوق العمل.

 وقد اختلفت دول الخليج من حيث نهج التعامل مع المتطلبات الحديثة لسوق العمل، وأذكر منها دولة قطر، التي أرسلت فريقاً من المستشارين لدراسة إمكانية استضافة أبرز الجامعات الأميركية وفتحت أبواب المنافسة بين القطاعين، رغبة في أن يصبح طالب العالم الطرف الرابح، أما دولة الإمارات فقد تبنت فلسفة جديدة وهي استضافة مؤسسات تطبيقية أجنبية بالتخصصات التي يحتاج إليها سوق العمل رغبة في جعل التعليم وسيلة لا غاية، للوصول إلى القيمة النوعية المناسبة للإنتاجية في المجال الوظيفي، ومن أبرز البرامج المطروحة برنامج "الضيافة " وهو مزيج بين العلاقات العامة والسياحة، فاستقطب الشباب الإماراتيين واستطاع أن يملأ القطاع السياحي الخاص بالكفاءات المحلية، واليوم وبعد استعراض هذا الجزء البسيط من تجارب الدول الخليجية في مجال التعليم نعود لنقف أمام احتياجات السوق الكويتي وأزمة افتقارنا إلى التخطيط التربوي السليم.

وأخيراً، لا يسعني إلا أن أضم صوتي إلى صوت أرسطو القائل: "يصبح المرء أكثر حرصاً وعناية بالممتلكات الخاصة التي يساهم في بنائها لا العامة التي تمنح له دون مقابل".

كلمة أخيرة: فتحت المدارس أبوابها للاجئين والوافدين من الفلسطينيين في السبعينيات صباحاً ومساءً، فلماذا تغلق أمام أطفال وشباب "البدون" اليوم؟! هل هي أزمة مساطر وأقلام؟!