كثير من الزملاء والأصدقاء والمعارف أبدوا انتقادهم وامتعاضهم من أوضاع الكويت الكئيبة بسبب خلو الديرة من أي نشاط ترفيهي خلال عطلة رأس السنة، بينما العالم من حولنا تملأه الاحتفالات والحفلات، وأيضاً عبّروا عن حزنهم على واقع شبابنا الذين يهيمون في الشوارع بين نقاط التفتيش الأمنية أو محاولة إيجاد فرصة لمغادرة البلد لقضاء الإجازة في أي مكان، بعد أن ضاقت خيارات السفر نتيجة تطورات الأحداث السياسية في معظم دول السياحة العربية.

Ad

وبواقعيةٍ أرد على مَن يتذمر وينتقد: أن أغلبية الكويتيين مع السُّلطة يريدون الكويت بهذا الشكل، خليطاً من نموذجي دولتي طالبان وولاية الفقيه، وعلينا أن نحترم رغبة الأغلبية، وإن خالفت روح العصر ودستورنا، أما التبرير السائد من المعارضين والرافضين لهذا الواقع بأن تركيبة المجتمع تغيّرت بسبب التجنيس السياسي، وتحالف السلطة مع التيارات الإسلامية فهو "كلام مأخوذ خيره" ولن يفيد بشيء، فالفأس وقعت في الرأس، والكويت تغيرت دون رجعة، فلا حفلات مسرح الأندلس والهيلتون ستعود، ولا سهرات أبراج الكويت والمسيلة بيتش ووادي العيون ولؤلؤة رأس السالمية كذلك، ولا أيضاً "أريحية" الكويتيين السابقة في تقبل الآخر المختلف عنهم.

فأغلبية الكويتيين انتخبت، منذ ثمانينيات القرن الماضي لتمثيلهم في البرلمان، قوى الأصولية الإسلامية، التي تكوّنت من طيف قبلي وتيارات سياسية إسلامية من الإخوان المسلمين والسلفيين السنة، وحزب الدعوة وكتلة مناصري ولاية الفقيه الشيعيتين، الذين تحالف معظمهم مع السلطة، واستطاعوا أن يغيروا عبر الإعلام والمساجد والجامعة طبيعة المجتمع الكويتي السابقة إلى مجتمع يقلد النموذجين السعودي والإيراني في ما بعد الثورة الخمينية.

نعم نجح ذلك التحالف في إغلاق البلد، وضرب بنهج وروح الدستور الكويتي المدني العصري- بموافقة الدولة- عرض الحائط، فنُسِخت الدولة إلى نموذج بلا هوية ولا طعم، يتناقض واقعها مع فلسفة دستورها الذي حوّل الكويت من إمارة عشائرية إلى دولة عصرية انتكست على أعقابها في ما بعد، وصدرت نتيجة لذلك التحالف قوانين عدم تجنيس غير المسلم، وعدم الاختلاط في الجامعة، وضوابط الحفلات ... إلخ، لذا فإن كويت الازدهار والتقدم والعصرية والمسرح والرياضة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي قد ولّت، وعلينا أن نتعايش مع النموذج الطالباني- ولاية الفقيه الكويتي الحالي في مدينة "المولات" وعمارات الأسمنت العالية والمطاعم اللامتناهية! بلا روح أو نكهة عصرية من ثقافة وترفيه، ومَن لا يستطع أن يتعايش مع ما آل إليه وضع الكويت حالياً فعليه أن يهاجر، لأنه لا حل يُرتجى لوضعنا السائد، أو يصمت ويترزق الله.

لذا فإن كنت متذمراً من الوضع، ولست من "الهوامير" الذين يقيمون حفلاتهم في حيازاتهم الضخمة والقصور، أو من أصحاب الطائرات الخاصة التي تحمل أصحابها إلى وجهات الترفيه و"الوناسة" في العطلات والمناسبات، فما عليك إلا أن تولي وجهك نحو المطار لتقضي إجازتك في دبي أو البحرين أو أي مدينة عصرية حية أخرى، أما إذا كنت من ذوي الدخل المحدود فليس لديك خيار ترفيهي في الكويت، إلا أن تختار مطعماً لقضاء ليلة العطلة، بعد أن تتحرى عنه جيداً حتى "لا يحوشك" نصيب من المواد واللحوم الفاسدة التي يضبطونها يومياً في الديرة!