معضلة الإمبراطور شي
لقد تكلمت في إحدى المرات مع أكاديمية صينية هرب والداها من الصين خلال فترة الثلاثينيات، لشعورهما بالصدمة من الطمع والفساد اللذين كانا منتشرين في البلاد قبل الثورة الشيوعية، وقد عادا بعد سنة 1949 تاركين وراءهما وظيفتين مريحتين في جامعات كاليفورنيا، من أجل المساعدة في بناء الصين الجديدة.لقد عانى والد الأكاديمية خلال الحملات المعادية لليمينية في الخمسينيات والثورة الثقافية في الستينيات والسبعينيات، وتوفي كرجل مقهور، بعد أن أمضى فترة من حياته في السجن، لكن والدتها كانت دائماً مخلصة لقيادة الحزب الشيوعي الصيني، واعتبرت متاعب والدها ثمناً شخصياً يتوجب دفعه للمصلحة العامة.
لكن في سنواتها الأخيرة زاد شعور والدة الأكاديمية بالإحباط من تصاعد الفساد، وعندما تُوفيت شعرت أنها وزوجها قدما التضحيات طوال حياتهما عبثاً، فانعدام الأخلاق الضار الذي ساد في فترة الثلاثينيات قد عاد.وبينما نحن على مشارف نهاية 2014 فإن المعركة ضد الفساد قد استنفدت جزءاً كبيراً من جهد وانتباه الرئيس الصيني شي جينبينغ وهو محق في ذلك، فالمنظمة الرقابية المتخصصة في مكافحة الفساد، وهي منظمة الشفافية العالمية، صنّفت الصين في المرتبة الثمانين في قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم، أي بين اليونان وتونس، وهناك قصص كثيرة عن مسؤولين حكوميين يتباهون بساعاتهم الروليكس ويقودون سيارات مازاراتي، ويعرفون جيداً الملاذات الضريبية خارج البلاد، وهذا كله أدى إلى تنامي انعدام الثقة بالحزب الشيوعي الصيني.إذن فهل يمتلك أقوى زعيم صيني في جيله ما يكفي من النفوذ لوقف هذا العفن؟بعد وفاة ماوتسي تونغ قرر خليفته دينغ شياو بينغ أن حكم الرجل الواحد كان خطيراً جداً بالنسبة إلى الصين؛ لأنه يعرّض البلاد لأسوأ تجاوزات الاستبداد المتقلب، وعليه فمنذ تقاعد دينغ سنة 1992 حتى اختيار شي للمنصب الرفيع قبل سنتين كانت القيادة الصينية جماعية وتوافقية، فالرئيسان جيانغ زيمين وهو جينتاو لم يكونا من الأباطرة، بل كانا الأولين بين أشخاص متساوين.لكن يبدو الآن أن رقاص الساعة قد عاد مجدداً إلى القيادة «الإمبريالية» بعد تزايد الإحساس بوجود انحراف على رأس التراتبية الحزبية؛ مما زاد من مشاعر القلق لدى الكثيرين بتجاهل اتخاذ القرارات الكبرى، ليس أقلها تلك المتعلقة بالإصلاحات الاقتصادية، لقد قام شي منذ توليه منصبه بتدعيم جميع مفاصل السلطة، وأزاح جانباً رئيس وزرائه غير الفعال لي كيكيانغ.إن العديد من أعضاء الحزب الشيوعي الصيني قد أخافهم اعتقال بو شيلاي، وهو مسؤول رفيع شك البعض أنه يخطط للاستيلاء على السلطة، ومن المحتمل أن خوفهم قد تعمق بعد اعتقال زو يونغكانغ، والذي تولى منصب رئيس الجهاز الأمني الصيني فترة طويلة، وأعلى عضو مرتبة في المكتب السياسي يتم اعتقاله. ونجاح حملة شي لمكافحة الفساد حيوي لمستقبل الصين، فهي الطريقة الوحيدة للتحقق من أن الجدارة تتفوق على المحسوبية، وهذا سينهي سوء التوزيع الهائل للموارد في البلاد، وعندما يتم تسييس الائتمان فإن الأولويات الاستثمارية ستتضرر بشكل سريع، والرشوة وبيع الوظائف يجعلان الأمور أسوأ.إن شي بمنزلة أمير عند الصينيين، فهو ابن قائد حزبي وبطل عسكري، وهو يتصرف بثقة أرستقراطية بالنفس، ولكن حتى شي نفسه كان يتوجب عليه أن يطبق أول قاعدة من قواعد اللعبة وهي: لا تسمي الفاسدين حتى يقرر الحزب من هم هؤلاء الفاسدون.ومن الممكن أن نسمي ذلك مكافحة الفساد على الطريقة الصينية: لقد كان من الممكن أن يتم ببساطة الإصرار على أن يصرح المسؤولون الحكوميون بمصادر دخلهم، وإن كان مثل هذا الإجراء ينطوي على مخاطرة سياسية، ولكن عوضاً عن ذلك اعتقلت القيادة النشطاء الذين طالبوا بالقيام بمثل هذا الإجراء.وعندما نشرت صحيفتا بلومبيرغ ونيويورك تايمز تفاصيل عن عائلات كبار القادة (بمن في ذلك عائلة شي) المتورطة في التكسب غير المشروع، تعرضت الصحيفتان لهجوم رسمي مكثف، وأجبرتا على تخفيض تغطيتهما للصين بشكل سريع، فالبعض يتكهن بأن شي عيّن نائب رئيس الوزراء السابق وانغ كيشان لقيادة الحرب ضد الفساد لأن كيشان وزوجته ليس لديهما أولاد، أي لا توجد ذرية طماعة يمكن أن تؤثر على جهوده.إن شي ببساطة ليس لديه نية لتغيير الثقافة السياسية للصين بالرغم من تعارضها مع المهمة التي تعهد بتحقيقها، وإن الشفافية والتعددية وحكم القانون والصحافة الحرة والمساءلة الديمقراطية هي أفضل ضمانات الأمانة في الحياة العامة والطريق الأفضل لتحقيق الإصلاحات الاقتصادية التي يريدها شي.لقد سعت الصين بشكل متزايد إلى إظهار نجاح أسواقها ونموذج تطوير نظام الحكم فيها، ولكن، وبينما يتباطأ الاقتصاد الصيني سنة 2015 فإن من المرجح أن يكتشف قائدها الإمبريالي أن هناك في الواقع رابطاً بين انفتاح المجتمع واستدامة النجاح الاقتصادي لذلك المجتمع.* كريس باتن | Chris Patten ، آخر حاكم بريطاني لهونغ كونغ، ومفوض سابق في الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، وهو يعمل حالياً كرئيس لجامعة إكسفورد.«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»