وزارة الآداب العامة
نحن الكتاب والروائيين والشعراء والمسرحيين وغيرنا ممن يعمل في الحقل الأدبي وندعي أننا نقدم أدباً، بحاجة إلى أن نفهم ما هي الآداب العامة، وما هو المنافي لهذه للآداب. ولكي نفهم نحن بحاجة إلى وصاية أمنا الحكومة، وحتى تكون منصفة معنا عليها أن تحترم جهلنا في معرفة ما ينافي الآداب، وتنشئ لنا وزارة أو إدارة على أقل تقدير تحت هذا المسمى.وعلى عاتق هذه الوزارة أو الإدارة يقع إصدار كتيب عام تعرف من خلاله الآداب العامة المقصودة حتى نلتزم به ولا نتجاوزه. ويجب أن يصدر هذا الكتيب سنوياً، لأننا مجتمع يتغير بسرعة ويتطور دائماً، ولا يمكن لهذه الآداب العامة أن تبقى وحدها ساكنة.
ولشرح تطور هذه الآداب العامة فلنتصور أنني كتبت قصة عام 1960 ميلادية عن الجهراء، وذكرت فيها أن البطلة قادت سيارتها في الطريق العام متجهة إلى الكويت العاصمة. هذا الحدث يعتبر منافياً للآداب العامة في الجهراء، لأن الآداب العامة أيامها لا تسمح للمرأة بأن تجلس في المقعد الأمامي بجانب زوجها، فضلاً عن قيادة سيارة بمفردها. ولو كتبت قصة عام 1980، وقلت أن فتاة من الجهراء سافرت لإكمال تعليمها العالي في مصر لا أميركا أو بريطانيا دون أن يرافقها والدها أو محرمها فإن ذلك خطاب لا يليق وينافي الآداب العامة في الجهراء، ولكن ذلك لا ينافي الآداب العامة في الضاحية أو النزهة. واليوم في عام 2015 يمكنني أن أكتب كل هذه الأحداث المنافية للآداب حينها دون أن تكون أكثر من قصص عادية تقبلها الآداب العامة.تستطيع صحيفة يومية أن تتناول حادثاً يومياً عن اغتصاب امرأة أو صبي أو القبض على شبكة وتدخل هذه الصحيفة كل بيت وتستخدمها الأسرة كمفرش للأكل دون أن يكون ذلك مخلاً بآدابنا العامة. وتستطيع فضائية تقديم كل ما هو مسكوت عنه ومناف للآداب العامة وبإمكان أي مراهق أو مراهقة أن يتابعها بكبسة زر دون أن ترى وزارة الآداب العامة في ذلك أي منافاة للآداب العامة. أما أن تكتب هذه الحادثة في رواية أو قصة فذلك يجعل منها تناولاً مخلاً بالآداب العامة وتتعرض الرواية للمساءلة وتشكل لجنة من أطياف "المثقفين" للبت في جوازها من عدمه.ولا نعرف حتى الآن ما هي مسطرة الآداب العامة التي تحكم بها هذه اللجنة على عمل ما بأنه مناف للآداب العامة وهذه الآداب العامة تختلف من منطقة الى أخرى في الكويت، وتتباين من بلد خليجي إلى بلد خليجي آخر، فما يعتبر في الكويت منافياً للآداب لا يعتبر كذلك في بقية دول الخليج. هل المطلوب من الكاتب أن يقرأ أفكار اللجنة، التي يمكن أن تتغير في لحظة ما، ويكتب بناء على هذه الأفكار حتى لا يتعرض للمنع. كررنا وكرر زملاء لنا من قبل أن المنع لا يحد من الكتاب، بل يساعد على انتشاره، حتى وإن كان تافهاً لا يستحق القراءة، وعدم وجود كتاب ما على أرفف المكتبات لا يعني عدم وجوده في متناول القراء. ما نعرفه أن المكتبات لا تعرض الكتب التي تشكل ثقافة القراء ولو اقتصرت القراءة على الكتب المعروضة فيها لما نجح كتابنا في مشاريعهم الكتابية.