المفترض أن يعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما اليوم "استراتيجيته" لمواجهة "داعش"، ومن المتوقع أن أربعين دولة، بعضها عربية، ستلتزم بهذه الاستراتيجية التي، إنْ خلت من اللجوء إلى قوات برية، أميركية وغير أميركية، واقتصرت على الغارات الجوية، فإنها ستكون فاشلة فشلاً ذريعاً، فالمعروف أن الطيران وحدهُ لا يمكن أن يحسم معركة، وهذا ما ثبت خلال الحروب كلها التي شهدتها البشرية سواء كانت حروب عصابات أم حروباً تقليدية.

Ad

لقد استخدم الأميركيون الطائرات بدون طيار (الدرون) استخداماً مفرطاً ضد تنظيم القاعدة وقواعده في اليمن، وضد "طالبان" ومعسكراتها وجيوشها في أفغانستان وباكستان، لكن ها هو "القاعدة" لا يزال كما هو، بل أصبح أكثر شراسة مما كان عليه، وأيضاً ها هي "طالبان" تزداد قوة، وفرضت نفسها على الباكستانيين والأفغان وعلى الأميركيين أيضاً في تلك البلاد التي حوّلتها الأخطاء الأميركية إلى مستودع إرهابي لا ينضب، صدَّر بضاعته القاتلة إلى كل أرجاء الكرة الأرضية.

إن كل تجارب الحاضر والماضي تؤكد أنه بدون قوات برية لا يمكن حسم معركة، وخصوصاً مثل هذه المعركة، فتنظيم "داعش" ليس مجرد بضعة معسكرات يمكن الاستمرار في قصفها إلى أن تتحول إلى أكوام من الحجارة والأتربة... بل إنه وحدات عسكرية يقودها ضباط مجربون شاركوا في الحرب العراقية- الإيرانية، التي تواصلت ثمانية أعوام، وهو "بيئة حاضنة" وفرتها الأخطاء السياسية المتلاحقة في العراق منذ عهد المندوب السامي الأميركي بول بريمر حتى الآن، وهو كل هذا القمع المتواصل في سورية الذي استهدف لوناً سورياً واحداً وفئة سوريةً واحدة، وهو كل هذا الذي يقوم به "حزب الله" بدوافع طائفية ومذهبية وتقوم به المجموعات التي جرى استيرادها لتشارك في ذبح أبناء الشعب السوري بنفس الدوافع الطائفية والمذهبية.

ويقول شاعر عربي:

لا تقطعنْ ذنب الأفعى وترسلها

إن كنت شهماً فأتبع رأسها الذنبا

وحقيقة، ونحن بانتظار ما ستتضمنه "استراتيجية" باراك أوباما، التي قال سلفاً إن استكمالها سيكون في عهد خلفه الرئيس القادم بعد عامين ونيف، فإننا لا يمكن أن نتفاءل إذا اقتصر التعاطي العسكري مع "داعش" على القصف الجوي، وإذا لم تكن هناك قوات برية، غير قوات "البيشمركة" الكردية وغير قوات الجيش العراقي، الذي هو بانتظار ألف إصلاح وإصلاح في عهد حكومة حيدر العبادي الجديدة، وأيضاً غير بعض وحدات المعارضة السورية المعتدلة، قادرةٌ على "تكنيس" هذا التنظيم الإرهابي واقتلاعه من جذوره، إنْ في سورية، وإنْ في العراق.

وإذا كانت كل هذه الدول التي بلغ عددها، وفق آخر تقديرات، أربعين دولة، من بينها تركيا العضو الفاعل في حلف شمال الأطلسي والمتاخمة للحدود السورية والعراقية، غير قادرة على توفير القوات البرية الكفيلة باستكمال ما ستقوم به الأسلحة الجوية ضد "داعش" فإنه يمكن القول من الآن: "أبشر بطول سلامة يا مربع"، فتجربة الطائرات بلا طيار في اليمن ماثلة أمامنا، وها هو أيمن الظواهري، بعد نحو أربعة عشر عاماً من شن تلك الحرب الكونية على "القاعدة" في أفغانستان، يعلن تدشين فرع له في شبه القارة الهندية!

كما أنه لا يمكن اقتلاع الإرهاب والقضاء عليه حتى بالقضاء على "داعش"، فهناك تنظيم القاعدة بكل مسمياته وفروعه، وهناك ما تتعرض له مصر بعد القضاء على حكم الإخوان المسلمين، وهناك الأزمات الطاحنة التي تعيشها هذه المنطقة، التي تفرخ كل أزمة منها عشرات التنظيمات الإرهابية، وهناك قضية فلسطين التي، إن هي لن تُحل الحل العادل المنشود فإنها ستبقى تشكل المبرر الذي يحتاج إليه الإرهابيون الذين لا علاقة لهم لا بقضية فلسطين ولا بالمقاومة الفلسطينية... والذين لا تهمهم هذه القضية لا من قريب ولا من بعيد!