ما قل ودل: على هامش مذبحة المصريين في ليبيا

نشر في 22-02-2015
آخر تحديث 22-02-2015 | 00:01
 المستشار شفيق إمام توقف العالم كله أمام هذه المشاهد، والدموع التي ذرفتها العيون والحزن الذي اعتصر القلوب، على هؤلاء الضحايا الذين أسلموا أرواحهم إلى بارئها، أوصلا رسالة إلى العالم كله، يعلن فيها «داعش» أنه جماعات بربرية تجردت من كل القيم الإنسانية، حيث تدل هذه المشاهد دلالة واضحة على النزعة الإجرامية التي ملكت على من ارتكبوا هذه المجزرة كل حواسهم ومشاعرهم.

المذبحة بالصوت والصورة

لم تمض أيام على قيام تنظيم داعش بحرق الشهيد الكساسبة الطيار الأردني حياً، والذي بثّ "داعش" مشاهده بالصوت والصورة على "اليوتيوب"، حتى أذاع "داعش" في ليبيا على اليوتيوب مشاهد المجزرة أو المذبحة التي أُعِدَّت بإتقان من حيث فكرة المكان الذي تمت فيه المذبحة، والتصوير والإخراج، واللذين اتسما بالتقنية العالية، لـ (21) من الأقباط الأبرياء من أبناء مصر، الذين نُحِروا كالخراف، وفُصِلت رؤوسهم عن أجسادهم، وسالت دماؤهم النقية على رمال الشاطئ في ليبيا، لتخضب هذه الدماء تلك الرمال ومياه البحر بلون الدم... ولعل ما استوقفني، وربما استوقف غيري، ذلك المشهد الرهيب للشباب القبط، وهم رابطو الجأش لا يهابون الموت، يتمتمون بتراتيل لم أسمعها جيداً، ولكنني على يقين بأنهم نذروا أنفسهم للشهادة دفاعاً عن وطنهم وعن عقيدتهم، كأنهم قد تمثلوا بإنجيلهم الذي يقول لهم: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم".

رسالة إلى العالم

 إن العالم كله قد توقف أمام هذه المشاهد، وإن الدموع التي ذرفتها العيون على هؤلاء الضحايا، والحزن الذي اعتصر القلوب، وقد أسلم هؤلاء أرواحهم إلى بارئها، قد أوصل رسالة إلى العالم كله، يعلن فيها "داعش" أنه جماعات بربرية تجردت من كل القيم الإنسانية

وإن هذه المشاهد جميعاً تدل دلالة واضحة على النزعة الإجرامية التي ملكت على من ارتكبوا هذه المجزرة كل حواسهم ومشاعرهم، وإيغالهم في الإجرام بهذه المذبحة، والتصميم عليها لأكثر من شهرين، بقي هؤلاء الضحايا فيهما تحت أيديهم بعد خطفهم، وتمثيل هذه المشاهد لعدة أيام، قبل المذبحة، لكي تتم إذاعة هذه المشاهد البشعة على العالم كله.

 وإن ما جرى قبل ذلك من هذه الجماعات من أعمال إجرامية، ومن ترويع أمن قرى بأكملها في العراق وسورية وذبح رجالها وسبي النساء فيها لدليل على أن الإجرام متأصل فيها، وأنها قد تجردت من كل القيم الإنسانية التي ارتضتها الأمم المتحضرة.

ما الذي حققه «داعش»؟

نعم، ما الذي حققه "داعش"؟ من هذه الجريمة النكراء، وما المكاسب التي أحرزها؟ سؤال مشروع يحسن أن تكون الإجابة عنه واضحة، والإجابة التي لا يختلف عليها أحد هي أن "داعش" بجيشه والدولة الإسلامية التي أعلنها في سورية والعراق وليبيا، تتكون من جماعات تضم المتخلفين عقلياً من كل أنحاء العالم، والذين يفتقرون إلى الأهلية الكافية لتقييم أفعالهم، والهدف منها، وأنهم منعزلون عن مجتمعاتهم يحملون كل الحقد والغل لهذه المجتمعات وللإنسانية جمعاء.

ذلك أنهم استطاعوا أن يشوهوا صورة الإسلام لدى العالم كله، وأن ينفروا العالم كله من هذا الدين الحنيف، الذي يدعو إلى العدل والحرية والمساواة، وحماية حرية العقيدة، وأن يخلعوا على الإسلام وعلى من يدينون به أنهم مجرمون إرهابيون.

الدعوة إلى الإسلام

إن الدعوة إلى الإسلام شقت طريقها بين شعوب الأرض قاطبة في آسيا وإفريقيا وأوروبا وأميركا وأستراليا، فأسلم من هذه البلاد مَن أسلم، باعتبارها دعوة تهدى إلى هذه المعاني السامية، وأن يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه، وهو دين يشترك مع غيره من الأديان في تهذيب الإنسان ونشر القيم الأخلاقية، ولم يدعُ هذا الدين إلى القتل أو سفك دماء من لا يدين بالإسلام.

والتاريخ يشهد بذلك، فلم يرتكب عمرو بن العاص هذه الجريمة البشعة في حق أقباط مصر، عندما دخلها بجيشه، بل ترك للأقباط حرية اعتناق الإسلام أو البقاء على عقيدتهم، كافلاً لهم حرية إقامة شعائرهم الدينية.

حرية العقيدة في الإسلام

يقول عز وجل في كتابه الكريم "لا إكراه في الدِّين"، فالدين الإسلامي يكفل لغير المسلمين حرية العقيدة، وهو ما أجمع عليه الأئمة الأربعة، ومن تبعهم من علماء المسلمين إلى يومنا هذا، حتى إن أحد أقطاب المتطرفين، وهو سيد قطب، في كتابه دعوة الإخوان المسلمين وعبقرية بناء جماعتها، الذي نشرته دار الزهراء للإعلام العربي عام 1989 يقول: "إن الإسلام عقيدة تنبثق منها شريعة، ويقوم على هذه الشريعة نظام، ولكن الأوطان الإسلامية تعيش فيها أقليات لا تؤمن بالإسلام، ولها عقائد أخرى"، ويستطرد فيطرح سؤالاً عن موقف النظام الإسلامى من هذه الأقليات.

ويجيب بأن "هذا النظام يكفل للأقليات حرية الاعتقاد كاملة، فلا يمسها في عقيدتها، ولا في عبادتها، ولا في أحوالها الشخصية، فهذه كلها تجري وفق عقيدة كل أقلية بدون تدخل من الدولة إلا في حدود الحماية المفروضة لجميع العقائد، شأن العقيدة الإسلامية في هذا النظام".

كرامة مصر والمصريين في الميزان

لقد أعاد نسور الجو المصريون إلى مصر كرامتها وإلى المواطن المصري كرامته داخل مصر وخارجها، فقد أصبحت قيمته غالية على مصر كلها، عندما انطلقت الضربة الجوية المصرية في سماء مصر وليبيا، بعد ساعتين من المجزرة والجريمة البشعة التي ارتكبها مجرمو الحرب الداعشيون بحق هؤلاء الأبرياء.

نعم، نحن لم نعد بعد الضربة الجوية لأوكار داعش، كما قال الشاعر الراحل نزار قباني:

موتى لا يملكون ضريحا

ويتامى لا يملكون عيونا

لم نعد كما قال الشاعر:

ليس فينا إلا كلام وإلا

حسرة بعد حسرة نتهادى

وأختم مقالي بدعاء المولى، عز وجل، أن يشمل بمغفرته ورحمته شهداء أقباط مصر، بل شهداء مصر كلها، وأدعو لأهلهم بالصبر والسلوان.

back to top