فجر يوم جديد: {خطة بديلة}
حب، خيانة وانتقام... ثلاثة محاور تمثل المقومات الرئيسة للرواية الأشهر في العالم «الكونت دي مونت كريستو»، التي ألهمت الكثير من كتاب السينما العالمية، وقُدمت عبر أفلام مصرية عدة؛ مثل: «الكنز المفقود» (1939)، «أمير الانتقام» (1950)، «أمير الدهاء» (1965)، «دائرة الانتقام» (1976)، «الثأر» (1982)، «الأوباش» (1986)، و{الظالم والمظلوم» (1989). وها هي تُلهم محمد علام كاتب سيناريو وحوار فيلم «خطة بديلة»، الذي كتب سابقاً «سعيد كلاكيت» (2014) والمخرج أحمد عبد الباسط في تجربته الأولى في مجال إخراج الفيلم الروائي الطويل.مع اللقطات الأولى للفيلم ينتقي المخرج زاوية تصوير مبتكرة تعكس هيبة وضخامة وشموخ مبنى دار القضاء العالي «حصن العدالة»، لكن سرعان ما يسوق معنى متناقضاً، عبر «التترات»، التي تحول فيها دار القضاء إلى شظايا متناثرة بينما فقد ميزان العدل اتزانه، ومالت كفته، بعدما فقد حياديته. وهي الرؤية التي يتبناها الفيلم من خلال المحامي الشريف «عادل أبو الدهب» (خالد النبوي)، الذي يرفض مجاراة صديقه القديم «طارق» (تيم حسن) في احتراف التلاعب بالقانون، والتفتيش في ثغراته لاستغلالها لصالح المجرمين. لكن حياته تنقلب رأساً على عقب بعد تعرض زوجته لحادث اغتصاب، على أيدي ثلاثة من أبناء الأباطرة، ما يؤدي إلى إجهاضها ثم وفاتها. ومثلما فعل «إدموند» بطل رواية «الكونت دي مونت كريستو»، يسعى «أبو الدهب» إلى الثأر من المتهمين، الذين برأهم القاضي «برهان» (عزت أبو عوف)، لعدم كفاية الأدلة، ولأن تقرير الطب الشرعي تم تزويره، عبر مرتشين. فيطلب رفع اسمه من جدول المشتغلين في نقابة المحامين، وينقلب على مبادئه، ويوافق على تقاضي مبلغ المليون دولار الذي قدمه الآباء على سبيل التعويض، وبعد أن يُصبح غنياً يبدأ رحلة الانتقام المنهجي مُستعيناً بـ : «فريدة» (فريال يوسف) و{أشرف» (محمد سليمان)، اللذين عُرفا بالتلاعب بالقانون، بالإضافة إلى «بندق» (محمد السعدني) و{خفاش» (وائل علاء) اللذين دافع عنهما في قضية سرقة!
المثير أن فيلم «خطة بديلة» تميز بموسيقى تصويرية (محمد مدحت) ملائمة لأجواء الفيلم، وديكور (تامر فايد) معبر عن الخلفية الاجتماعية والاقتصادية للأبطال، بالإضافة إلى زوايا التصوير الأخاذة (كاميرا سامح سليم) التي أعادت اكتشاف أماكن تقليدية صُورت مئات المرات سابقاً، فضلاً عن المطاردات التي جرى تنفيذها ببراعة، رغم الإفراط في تقديمها، والتهامها غالبية مشاهد الفيلم (مونتاج عمرو عاكف)، والتوظيف الرائع للمفردات مثل: ميزان العدالة المائل، القصر الأبيض السابح في الملكوت، وكأنه في الجنة، بينما يتم التخطيط في داخله للشرور والآثام، بحجة تكريس العدالة، وإعادة الحق إلى نصابه وأصحابه. ولا ننسى التنفيذ الرائع لكابوس اختطاف شقيقة البطل. إلا أن السيناريو يقع في كم من الأخطاء التي تنزع عن الفيلم مصداقيته، وواقعيته، وتقوده إلى الوقوع في شرك التلفيق، وبناء المواقف التي تخاصم المنطق، كاقتحام منزل القاضي وتهديده وابنته في مشهد وعظي فج، والاختيار الذي لا يستقيم والعقل لنفس المتهمين لاغتصاب زوجة المحامي الفاسد «طارق»، بتحريض من «أبو الدهب»، كي يتجرع الكأس التي ذاقها؛ خصوصاً أن المشاهد لم تُكتب، ولم تُنفذ، بشكل جيد، وتكرر الافتعال في سجن الشاب الثالث بسبب تشابه الأسماء، وهو الأمر الذي يتناقض والقول إن أباء الشباب الثلاثة شخصيات نافذة في المجتمع تتمتع بجاه ونفوذ وشبكة مصالح واتصالات واسعة!سيطر على فيلم «خطة بديلة» هاجس البحث عن وسيلة لتحقيق العدالة، وسد ثغرات القانون التي يستغلها البعض للتلاعب بالقضايا، ولا يملك القضاة لها دفعاً، ما يدفعهم إلى تبرئة المتهمين. لكنه سقط في براثن الدعوة إلى الحل الفردي، وانتزاع الحق بعيداً عن القانون، في أسوأ استغلال لرواية «الكونت دي مونت كريستو»، وأسوأ اختيار لطاقم الممثلين؛ فالمظهر العام للشباب الثلاثة (أحمد طه، هاني حسين ووائل سامي) وآبائهم (تميم عبده، صبري عبد المنعم وأحمد صيام) لا يوحي أبداً بانتمائهم إلى طبقة الصفوة أو علية المجتمع، بل يعكس فقراً إنتاجياً، في حين اتسم أداء خالد النبوي بالافتعال والتصنع والعصبية ونافسه تيم حسن بأداء غلبت عليه اللعثمة، وكأنه يقف أمام الكاميرا للمرة الأولى في حياته، وتراجعت فريال يوسف كثيراً، وضاعت الفروق بين أمينة خليل ورانيا الملاح... وعزت أبو عوف!فيلم «خطة بديلة» كان في حاجة إلى «خطة» من نوع آخر بعيداً عن «الشكل المدرسي»، الذي اختاره أصحابه، و{النهاية التقريرية»، التي تُذكرك بتعليمات الرقابة قديماً. وباستثناء الخدعة، التي تم الزج بها على طريقة أفلام «هيتشكوك»، يبدو الفيلم خطوة إلى الوراء مقارنة بأفلام كثيرة استلهمت «الكونت دي مونت كريستو» وقدمت معالجة جديدة مثيرة، مثلما فعل المخرج سمير سيف وكاتب السيناريو إبراهيم الموجي في فيلم {دائرة الانتقام»، وفشل في الوصول إليها المخرج أحمد عبد الباسط والكاتب محمد علام الذي يُحسب له أنه لم يقل «أنا المؤلف»!