الأغلبية الصامتة: كلمة تسقط وزيراً

نشر في 16-04-2015
آخر تحديث 16-04-2015 | 00:01
 إبراهيم المليفي إن السياسة خطابة وتنظيم وثقافة وعلم اجتماع وعلم نفس وسعة صدر و«طولة بال» ومداراة ومداورة، الاندفاع فيها محسوب والصمت فيها مدروس، وبين الحركة والحركة تُرسم دائماً خطوط للرجعة، هي برمجة كاملة لا يستوعبها الإنسان دفعة واحدة لكنها تؤخذ على جرعات ودفعات في بيئة صحية منفتحة متسامحة، لا تمنع الكلام والبحث العلمي، ولا تسجن أصحاب الرأي المخالف.

السياسة، كميدان عمل تحول إلى صناعة ثقيلة في الدول المتقدمة في الممارسة الديمقراطية، لا مجال فيها للتجريب أو المغامرة، خصوصاً فيما يتعلق بالتعامل مع الرأي العام أو القضاء؛ لأن الخطأ الواحد كفيل بسقوط حكومة كاملة، ومن يسقط في فخ التعالي أو الكذب أو التحايل على قانون الضرائب مثلاً يخرج فوراً من العملية السياسية، ولو كان شارل ديغول أو ونستون تشرشل.

السياسي في الديمقراطيات العريقة، كلامه منضبط ومحسوب ومدروس، نادرا ما ينزلق لسانه وسط حماسة الجماهير أو في فورة غضب، ليس لأنه ماكينة أو إنسان منزوع العواطف، ولكن لأنه تدرّج منذ الصغر في مراتب السياسة، واختبر في بيئة منفتحة أصلا على صراع الكفاءات وتطاحن الآراء، إن تراكم الخبرات لا يأتي من فراغ، لكنه ينطلق من كثافة الممارسة في المدرسة، ومجالس الطلبة، ودروس الخطابة، وضرورة مخاطبة الناس لتوصيل الأفكار والطموح الذي يجعل الصغير يرى موقعه في المستقبل ويجهز نفسه لذلك اليوم.

لقد عملت في الصحافة من ربع قرن، وعاصرت العشرات من المسؤولين من ذوي الشهادات العالية الذين لا يعرفون الفرق بين الكلام للصحافة والكلام لرفيق العمر، لأنهم عاشوا حياتهم في قوقعة الدراسة الرتيبة وعالم الديوانية المعدوم الاحتكاك، وعندما دخلوا إلى الجامعة، وهي أول وآخر عالم مصغر لخليط الكويت الفكري والاجتماعي، تحاشوا ملامسة العمل الطلابي، وواصلوا العيش في أجواء الثانوية وهم داخل الجامعة، حتى نجدهم فجأة في موقع يتطلب منهم الاحتكاك مع وسائل الإعلام.

إن السياسة خطابة وتنظيم وثقافة وعلم اجتماع وعلم نفس وسعة صدر و"طولة بال" ومداراة ومداورة، الاندفاع فيها محسوب والصمت فيها مدروس، وبين الحركة والحركة تُرسم دوما خطوط للرجعة، هي برمجة كاملة لا يستوعبها الإنسان دفعة واحدة لكنها تؤخذ على جرعات ودفعات في بيئة صحية منفتحة متسامحة، لا تمنع الكلام والبحث العلمي، ولا تسجن أصحاب الرأي المخالف.

في الكويت لم تكن صناعة السياسة لدينا متطورة، لكنها برأيي خطوات واثقة في الاتجاه الصحيح سرعان ما حادت عنه لتسير بمحاذاته مرات، وتبتعد عنه مرات عديدة، وما اختلف لدينا وكسر الكثير من قواعد اللعبة القديمة هو سرعة وصول المعلومة وصعوبة تعديلها أو مسحها، لذلك سقط وسيسقط الكثير من السياسيين الذين لا يعرفون الفرق بين الكلام للصحافة والكلام لصديق العمر في حفرة الرأي العام، وتواضع حرفية توصيل الرسالة المدروسة للمتلقي.

 

back to top