تستخدم قوى اجتماعية وسياسية عديدة ذات مصالح مختلفة الشعارات والمصطلحات ذاتها، وهو ما يجعل قضية تعريفها وتحديد المقصود بها أمراً في منتهى الأهمية، حيث إن غموض مصطلحات مثل الحرية، والديمقراطية، والمدنيّة، ومكافحة الفساد، والعدالة الاجتماعية، وعدم تعريفها بدقة من قِبل من يرددها ويرفع شعارها، يخلق وعياً زائفا ومشوشا.

Ad

 إذ تختلط الأمور في أذهان عامة الناس، ولا يعود بإمكانهم، في أحايين كثيرة، التمييز بين الفاسد وغير الفاسد مثلاً، فالكل بما في ذلك كبار أباطرة الفساد يدّعون محاربة الفساد، أو التمييز بين مَن مع الحُرية حقيقة ومن يقف ضدها، فحتى ألدّ أعداء الحرية يرفعون شعار الحرية ويدّعون أنهم يدافعون عن حرية الرأي والتعبير؛ لأن تعريفهم لها مختلف تماما عن تعريفها المدنيّ، فالحريات بالنسبة إليهم هي حقهم وحدهم في التصرف المطلق من أجل إقصاء الآخر. فضلا عن أن الأنظمة الاستبدادية والقمعية تدّعي دوما أنها تحترم الحريات وتحميها؛ لذلك قيل قديماً "ما أكثر الجرائم التي ترتكب باسم الحرية"!

 وكذلك الأمر بالنسبة إلى مصطلح العدالة الاجتماعية الذي يطرحه أحيانا كبار الرأسماليين بالرغم من أنهم هم الذين يحتكرون الثروة، ويقفون ضد العدالة الاجتماعية، ولكنهم يرددون المصطلح من أجل تضليل الناس، فالعدالة الاجتماعية بالنسبة إليهم هي "الصدقات" التي يتفضلون بها، متى ما شاؤوا، على الفقراء. أما الديمقراطية فالبعض، مثل قوى اليمين الديني الفاشي بأشكالها كافة بمن في ذلك من يستخدمون مُسمّى "المدنيّة"، لا يعرفون منها إلا آلياتها وإجراءاتها، مثل صناديق الاقتراع، التي قد تمكنهم من الوصول إلى السُلطة كي يحتكروها، ثم يقوموا بعدئذ بإلغاء الآليات الديمقراطية التي أوصلتهم.

وقس على ذلك عند الحديث عن الدستور، على سبيل المثال، فهل سمعنا يوما أحداً ممن ينتهكون الدستور ويعبثون به، ليل نهار، يصرح أنه يقف ضد الدستور أو يعاديه؟ الجميع يدّعي أنه مع الدستور، ولكن لكل منهم فهمه الخاص الذي قد يتناقض مع نصوص الدستور وفلسفته ومضمونه.

على هذا الأساس فإن تعريف مصطلحات مثل الحرية، والديمقراطية، والكرامة، والمدنيّة، والدستور من قِبل جميع الأطراف الناشطة في المجال السياسي يعتبر أمراً في منتهى الأهمية، خصوصاً عندما يحتدم الصراع الاجتماعي-السياسي، وتشتد المطالبات الشعبية بالإصلاح السياسي والديمقراطي، وما يتطلبه ذلك من فرز واصطفاف سياسيين، أو في مرحلة التحول الديمقراطي التي تمر عادة بمنعطفات حادة تتطلب وضوح الرؤية ودقة الأهداف؛ حتى لا يدخل المطالبون بالإصلاح والتغيير فيما بينهم في معارك عبثية يترتب عليها ضياع فرص النجاح.