"صناعة المعنى قراءات في الرواية العربية المعاصرة"، عنوان طويل للناقد المغربي المبدع محمد يوب، وهو واحد من أهم النقاد المغاربة الذين يقودون الحركة النقدية الحداثية في المغرب والعالم العربي، وهي الأمل في تأسيس مدرسة نقدية عربية ذات خصائص ووعي حديث بطبيعة النصوص الإبداعية العربية التي في حاجة ماسة إليها.
"صناعة المعنى" كتاب نقدي ممتع شدني من صفحاته الأولى، وأجبرني على متابعته حتى نهايته، فالكتابات النقدية ليست من الكتب التي أحرص على قراءتها، فمن بداياتي وإلى الآن وأنا أعزل نفسي عنها، لا أريد أن أتأثر بها، ولا أن تؤثر علي فتفسد عفويتي وتلقائيتي واكتشافاتي في ممارسة الكتابة، لكن كتاب "صناعة المعنى" يشد من عنوانه الغريب الفريد، وهو كيف تكون هناك صناعة للمعنى خاصة في الكتابة الإبداعية؟الشيء الآخر الذي ساعد على جذبي هو وجودي ضمن 10 كتاب رجال مغاربة ومصريين وأنا المرأة الوحيدة بينهم التي نالت شرف هذه الدراسة مما أسعدني جداً، وذكرني ببداياتي حين كتب الكاتب القدير إدوار الخراط دراسة عن مجمل كتبي الشعرية، وكنت أول امرأة خليجية عربية كتب عنها وسط عدد قليل من الشعراء المصريين الذين اختصهم بكتاباته النقدية، فشكرا للكبيرين على كتابتهما.أحب أن أشير إلى أن المقال هذا ليس نقدا للكتاب، وأرجو ألا يُفهم ذلك من كتابته، فحين يحضر الماء يبطل التيمم، والناقد محمد يوب أكبر من أن أكتب عنه، لكنه عرض لكتاب استمتعت بقراءته.الكتاب مقسم إلى: الخطاب الروائي ومسألة المنهج، الخطاب الروائي من منظور بنيوي، الخطاب الروائي من منظور سوسيولوجي، النص الروائي من منظور تداولي، المنهج التقاطعي كبديل لمعرفة الخطاب الروائي، الذي ينقسم إلى: 1- مكونات المنهج التقاطعي، 2- كيفية تعامل المنهج التقاطعي مع الخطاب الروائي الذي ينقسم بدوره إلى البنية الفنية والبنية المرجعية.3- النظر إلى الرواية كخطاب وليس كنص.بعد ذلك أخذ الكاتب نماذج لعدد من الروايات تندرج تحت مسمياته للعمل، فابتدأ 1- بالخطاب الروائي وفائض المعنى "روايات الخيال العلمي"، 2- شعرية الهجرة ولعبة الكتابة في رواية" وقت الرحيل" لنور الدين محقق، 3- "هبيب الرماد" لعلي أفيلال، رواية تحكي أحلام أبطالها بألوان رمادية، 4- شخصيات السرد الروائي وفائض المعنى، قراءة في رواية "البوح العاري" لإبراهيم الحجري، 5- المتخيل السردي في الرواية العربية، قراءة في رواية "خبز وسمك وحشيش" لعبدالرحيم الحبيبي، 6- التباينات الخطابية في رواية "أمريكاني" لصنع الله إبراهيم، 7- جيرترود ولعنة الفشل، قراءة في رواية "جيرتورد" لحسن النجمي، 8- مكينزمات الكتابة الروائية في رواية "الجدار" لمحمد مباركي، 9- جمالية ما وراء السرد في "جنوب غرب طروادة جنوب شرق قرطاجة" لإبراهيم الكوني، 10- سيميولوجية السرد الروائي، مقاربة سيميائية في رواية "البيت الأندلسي" لواسيني الأعرج، 11- شعرية السرد الروائي في "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس" لطارق إمام، 12- الرواية والغواية في "سلالم النهار" لفوزية شويش السالم.الكتاب يقدم تحليلات وآراء مهمة في فهم دور العملية الإبداعية وطريقة الاشتغال عليها وأهميتها، كما كتبها محمد يوب: "الدينامية والحركية بين الخطاب الروائي وتلقي المتلقي هي التي تحيي عملية التواصل التفاعلي، وهي التي تساعد على ترسيخ النص الروائي في ذهنية المتلقي، لأن النص الروائي ليس أحادي الجانب موجها إلى ذاته، وإنما هو خطاب متعدد الرؤى كل واحد يقرأه حسب مستواه القرائي والمعرفي وحسب محيطه الاجتماعي وحالته النفسية، لأن السرد الروائي يتحرك أمام القارئ ككلمات لكنها تتخذ في ذهن القارئ شكل صور ذهنية تترسخ في ذهنه، ومن خلال هذه الصور ينتج نص آخر متخيل، وتتعدد الصور وتتعدد معها القراءات بتعدد التخيلات".كما كتب تعريفا جميلا عن الشخصية الروائية، حيث يقول: "ترك الشخصية ودورها في النص مفتوحا لتأويل القارئ، كل واحد يخلق ما يستطيعه من تأويلات، لأن الشخصية دائما في الرواية ليست نهائية وإنما تُقدم كوعاء فارغ كل قارئ يملؤه حسبما تقدمه له هذه الشخصية من تأويلات ودلالات، لأنها تكون ذات حمولة متعددة تُحيل من جهة للنص وثقافته وإلى القارئ وما تختزنه ذاكرته من عمق ثقافي وبعد رؤيوي".صناعة المعنى بالفعل يقدم ويشرح ويبين كيف تبني الرواية معناها في ذهن القارئ.
توابل - ثقافات
صناعة المعنى
02-02-2015