لفت المترجم سليمان العطار في مقدمة {الشريف العبقري دون كيخوتي دي لامانشا} إلى تناول سرفانتس فكرة الحوار بين الحضارات، والتنقل على شواطئ المتوسط من إسطنبول وتونس والجزائر إلى جميع أنحاء إسبانيا، ومنها إلى إيطاليا وقبرص وفرنسا وألمانيا.

Ad

يقول العطار: {ليس بغريب أن يظل الإسبان يحتفلون بهذا النص بشتى أنواع الاحتفال إلى اليوم، حيث تقوم حلقة الفنون الجميلة بدعوة متطوعين سنوياً في ذكرى سرفانتس، لقراءة النص من دون توقف لمدة أربع وعشرين ساعة، وتضاعفت إلى 48 ساعة في عام 1998}.

تذاع الاحتفالية على شاشات التلفزيون في أنحاء إسبانيا والعالم، وتثير مخيلة الرائي إلى اكتشاف عالم زاخر بالدلالات، وانسحاب {دون كيخوتي} من الواقع إلى فضاء من الأوهام، ودخول معارك خاسرة مع طواحين الهواء والأغنام.

حافة الجنون

تدور أحداث الرواية في القرن السادس عشر، وتتناول سيرة دون كيشوت الرجل النحيل، والبالغ من العمر 50 عاماً، والمقيم في قرية إسبانية، وشغفه بقراءة كتب الفروسية، ووصوله إلى حافة الجنون، والوقوف في برزخ بين العالمين الواقعي والخيالي.

ينفلت دون كيشوت من وجوده المهمش إلى الحلم بنصرة الضعفاء، وإقامة العدل على الأرض، ويرتدي زي فارس قديم، ويصطحب معه تابعه الفلاح البدين {سانشو بانزا}، ويرتحلان إلى معارك وهمية، وتتابع المفارقات الكوميدية في مغامرة الصدام بين مثالية الأفكار، ووطأة الحياة الواقعية.

ارتكز سرفانتس على البناء الكلاسيكي للرواية، ومهد بمقدمة شارحة لحياة دون كيشوت، ودوافعه للإغراق في المثالية، وتتنامى الأحداث، وتنتهي إلى إفاقة بطله من توهماته، ويعرب عن ندمه في إضاعة الوقت بين صفحات كتب الفروسية، وحرمانه من قراءة كتب أكثر فائدة، وثراء لعقله ووجدانه.

السيف الخشبي

اعتبر النقاد أن رواية سرفانتس أحد أهم الكتب في الأدب الإنساني على مر العصور، وتنافس أعمال شكسبير، وما زالت حاضرة بقوة كمثال للصراع بين الخير والشر، والمثالية والواقع، وألقت بظلالها على أعمال لكتاب آخرين في لغات العالم، كما يعد دون كيشوت إحدى الشخصيات الأثيرة لدى كثير من الكتاب العرب، وانطبعت ملامحه وأفكاره الخيالية في شخوص درامية معاصرة، مثل مسرحية «تراجيديا السيف الخشبي» للكاتب المغربي محمد مسكين، ومسرحية «على جناح التبريزي وتابعه قفة» للكاتب المصري الفريد فرج، والدراما التلفزيونية «رحلة أبي العلا البشري» للكاتب أسامة أنور عكاشة.

يذكر أن المؤلف ميغيل دي سرفانتس سافيدرا، ولد في قرية بجوار مدريد عام 1547، وشارك في معركة ليبانتو في عام 1571، وهزم فيها الأسطول التركي، وأظهر شجاعته في القتال، وجرحت يده اليسرى وأصابها الشلل.

 ظل الجرح وساما يفخر به طوال حياته، واشتغل بالأدب كاتباً للقصة والرواية والمسرح والشعر الغنائي دون تفرغ، حيث أضطر إلى العمل في الأسطول الإسباني.

في عام 1605، فاجأ سرفانتس العالم، بنشر القسم الأول من العمل الأدبي {دون كيشوت}، ونشر القسم الثاني تحت ضغط الغضب، بسبب قيام كاتب رديء بنشر القسم الثاني في مدينة سرقسطة، حيث تم نشره في العام 1615 قبل موته بأشهر  في أبريل 1616.

أما المترجم د. سليمان العطار، فهو أستاذ الأدب الأندلسي في قسم اللغة العربية وآدابها في جامعة القاهرة، وله إلى جانب أعماله العلمية في تخصصه، دراسات حول الأدب الإسباني وترجمات لأعمال من الأدب الإسباني والأميركي اللاتيني، أشهرها رواية {مئة عام من العزلة} للكولومبي غارسيا ماركيز، ورواية {خلية النحل} للإسباني كاميلو خوسيه ثيلا.