يتوقع صندوق النقد الدولي أن يختفي العجز «الأولي» في ميزانية أوكرانيا، بحلول العام المقبل، مستثنياً إعادة دفعات الفوائد بصورة تامة، مع وضع الديون على مسار هابط ثابت.

Ad

أقر صندوق النقد الدولي في الأسبوع الماضي خطة إنقاذ جديدة لأوكرانيا، وتبلغ قيمة هذه الخطة 17.5 مليار دولار، وتمتد على أربع سنوات، كما أعلن الصندوق عن خطة مالية جديدة لذلك البلد، وقد تأملنا في هذه الخطوة، وتبين أنها ضرورية في العديد من الميادين الرئيسية.

ويتمثل الميدان الأول في ما يتوقعه صندوق النقد الدولي بالنسبة الى العجز في ميزانية أوكرانيا، وهو يتوقع أن يختفي عجز تلك الميزانية "الأولي"، والذي يستثني إعادة دفعات الفوائد وبصورة تامة بحلول العام المقبل، ووضع الديون على مسار هابط ثابت.

هل نحن نطلب الشيء الكثير؟

 في السنة الماضية كان العجز الأولي بالنسبة إلى الحكومة و"نفتوغاز"، وهي شركة الغاز الحكومية، 6.9 في المئة، وذلك رقم مرتفع جداً (كان عجز ميزانية البرتغال يبلغ بشكل تقريبي ذلك المستوى في سنة 2009)، ولكن كما يظهر الرسم البياني المرافق فإن صندوق النقد الدولي يطالب ببعض الاصلاحات القاسية، ويظهر ذلك الرسم البياني ماذا سوف يحدث للعجز في الميزانية عندما تحدث أزمة. وبعد خمس سنوات على حدوث الأزمة هبط عجز الميزانية في الدول الأربع التي أبرزها الجدول نتيجة تراجع تأثير تلك الأزمة.

وعندما تهبط دولة الى أقل من الصفر على الرسم البياني فإنها تحقق فائضاً أولياً في الميزانية، وقد شهدت اليونان والبرتغال هبوطاً كبيراً بصورة خاصة، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق أوكرانيا المستوى الذي حققته اليونان من التعديل الذي كان في حاجة الى أربع سنوات ولكنه تم في عام واحد، ويضاف الى ذلك أن توقعات صندوق النقد الدولي بالنسبة الى النمو الاقتصادي تنطوي على درجة عالية من التفاؤل.

شكل التقشف

هنا تجدر الاشارة الى أن خفض العجز الكبير في شركة الغاز الحكومية "نفتوغاز" يجب أن يوفر الكثير من المال، حيث تتسم شركة نفتوغاز بما يوصف بالثقب الأسود من الناحية المالية (5.7 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في السنة الماضية)، وذلك لأنها تبيع الغاز الى المواطنين الأوكرانيين بسعر يقل كثيراً عن تكلفة استيراده، كما أن الفساد المستشري ضاعف من سوء هذا الوضع. وعلى أي حال فإن صندوق النقد الدولي يتوقع انكماش العجز في شركة نفتوغاز الى الصفر بحلول سنة 2017، ويعتبر رفع سعر الغاز إحدى الطرق اللازمة من أجل تحقيق هذا الهدف.

وخلال أسبوعين فقط سوف ترتفع أسعار التجزئة بالنسبة الى غاز المنازل بنسبة تصل الى 284 في المئة، وتشير التقديرات الجديدة الى أن بلوغ مستويات السوق يعني أن يشهد البعض من المستهلكين عما قريب ارتفاعاً في الأسعار يصل الى أكثر من 200 في المئة بالنسبة الى قيمة الدولار.

ما هو مصدر التعديل الآخر في هذه الحالة؟ معروف أن صندوق النقد الدولي لا يريد تحقيق زيادة كبيرة في الضرائب كما أنه يريد أن تتحمل تخفيضات الإنفاق أعباء تلك الخطوة كبديل، وعلى سبيل المثال، فإن الإنفاق على تأمين البطالة والعجز سوف يهبط بحلول عام 2017 بما يقارب 30 في المئة عن المستويات التي كانت سائدة في سنة 2013، وتلك ليست أنباء جيدة، خاصة في ضوء توقعات صندوق النقد الدولي أيضاً بأن تصل معدلات البطالة الى 11.5 في المئة في هذه السنة (مرتفعة عن 7.3 في المئة في سنة 2013). وبكلمات اخرى سوف تكون هناك كمية أقل من الأموال من أجل توزيعها على الأكثر عجزاً وبطالة.

وعلى الرغم من ذلك، ترى الخطة المالية أن "إجراءات التعويض الرامية إلى حماية الفئة الأكثر تعرضاً قد تصاعدت وتحسنت". كما أن تلك الخطة تتصور الخطوات التالية:

أن يصل الإنفاق الاجمالي على برامج المساعدة الاجتماعية الى 4.1 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في سنة 2015 وهي زيادة بنسبة 30 في المئة، مقارنة بسنة 2014، وإضافة الى ذلك سوف يرتفع إنفاق اعانة البطالة بنسبة 15 في المئة.

يبدو هذا رائعاً، ولكن نظرة عن كثب تظهر أنه لا يبدو على هذا النحو بصورة تامة، وهذا البيان لا يحدد ما إذا كانت تلك معدلة بحسب التضخم أم لا، وينطوي ذلك على قدر كبير من الأهمية نظراً لأن معدل التضخم في أوكرانيا قد وصل في الوقت الراهن الى أكثر من 30 في المئة خلال سنة واحدة.

والسؤال هو ما الذي سوف يحدث في حقيقة الأمر؟ تظهر الأرقام حدوث زيادة بنسبة 30 في المئة بصورة اسمية، والإنفاق على البرامج الاجتماعية سوف يصل الى 4.1 في المئة في هذه السنة، ولكن تلك مجرد زيادة بنسبة 0.3 نقطة مئوية عن الزيادة الأخيرة. (كما أن ميزانية الحكومة الحالية تتوقع هبوط ذلك الإنفاق بنسبة 0.1 في المئة نقطة مئوية)، بينما تشير توقعات صندوق النقد الدولي الى أن نسبة الناتج المحلي الإجمالي المتعلقة بالإنفاق على المساعدة الاجتماعية الإجمالية سوف تهبط من 21.1 في المئة في سنة 2014 الى 18.4 في المئة في السنة المقبلة.

نقاط مضيئة

ولكن توجد بعض النقاط المضيئة، وعلى سبيل المثال فإن إنفاق رأس المال الحكومي يجب أن يرتفع، ولكن الصورة الاجمالية تظل قاسية الى حد ما، وتلك هي نتيجة حتمية لمحاولة الغرب الاعتماد على صندوق النقد الدولي من أجل دفع وتنشيط الاقتصاد، ثم إن مجلس ادارة صندوق النقد الدولي ما كان ليوافق على خطة الانقاذ لو أنه كان يظن بأن الصندوق سوف يتعرض لخسارة المال، ولهذا السبب يصر صندوق النقد الدولي على مثل ذلك التقشف.

كما أن تمويل صندوق النقد الدولي يقتصر على تقديم دعم الى الميزانية: وهو لا يستطيع تقديم الاستثمار الطويل الأجل الذي تحتاج أوكرانيا إليه بصورة ماسة وملحة، وكان يتعين أن تقوم منظمات مثل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بمثل ذلك العمل، ولكنها أحجمت عن هذا الفعل حتى الآن، ومن دون برنامج طويل الأجل أكبر كثيراً فإن اقتصاد أوكرانيا سوف يستمر في التعثر والتخبط.