قوس قزح وزينب
أدرك القيمون على السينما البحرينية أهمية الأدب كوسيلة لتدشين سينما وثيقة الصلة بالواقع، وأن الإغراق في المحلية أفضل السبل للوصول إلى العالمية، وامتلاك الهوية التي تمنحها خصوصية، وتميزها عن غيرها.من هنا بدا وكأنها وجدت في الأديب البحريني أحمد المؤذن ضالتها، التي تتيح لها تحقيق أهدافها، وهو ما فعلته بالضبط في الفيلمين الروائيين القصيرين «قوس قزح» (15 دقيقة) إخراج محمود الشيخ و{زينب» (17 دقيقة) إخراج محمد إبراهيم محمد. ففي التجربتين إحساس طاغ ببشر مُعذبين قد لا يتصور البعض أن لهم وجوداً في مملكة البحرين، ورصد لحياة لا مكان فيها لزيف أو تصنع، وواقعية متفردة تختلف عن تلك التي نراها في بقية الأفلام العربية الأخرى.
في فيلم «زينب» إبحار في أعماق النفس البشرية، وتعاطف واضح مع عذاباتها، من خلال الفتاة «زينب» التي تعيش وأمها المريضة، وتعاني ضعفاً في النظر تفاقمت حدته عقب ضياع نظارتها الطبية في جدول ماء القرية، وعندما يعثر عليها صديقها «علي» يكتشف أن زجاجها تهشم ما يدفعه إلى تجشم عناء السفر إلى المدينة ليبتاع نظارة جديدة، وهو يعلم أن اللحظة التي سترتدي «زينب» فيها النظارة ستشهد رحيله، وعائلته، عن القرية، بناء على أوامر أبيه، ووقتها ستراه للمرة الأخيرة! أما فيلم «قوس قزح» فيحطم، بجرأة يُحسد عليها، «تابو» الجنس، من خلال الفتى المراهق «أحمد»، الذي ينشأ في منزل جدته، التي تتاجر في أدوات الزينة ومستحضرات التجميل النسائية، ويتمنى لو أصبح حلاقاً نسائياً، لكن امرأة مطلقة تستغل عشقه للتلصص على النساء، وتتحرش به جنسياً. والفيلم مأخوذ عن قصة بعنوان «الكيس ما يزال في يدي» للقاص أحمد المؤذن صدرت ضمن مجموعته القصصية «رجل للبيع»، وكتب لها السيناريو والحوار فريد رمضان، الذي كتب أيضاً سيناريو فيلم «زينب» وحواره.في الفيلمين بساطة أخاذة، وواقعية لا تخطئها الأعين، خصوصاً فيلم «قوس قزح»، الذي يُذكرك برائعة «عصفور السطح» (1990) للمخرج التونسي فريد بوغدير، الذي اتهم يوماً بأنه يبيع تخلف الشرق للغرب، وهو ما لم يفعله المخرج البحريني محمود الشيخ في فيلمه المليء بالتفاصيل، والذي يقدم بيئة مجهولة بالنسبة إلى الجمهور العربي، حيث الفقر الذي يدفع امرأة عجوز إلى تجهيز العرائس مقابل فليسات قليلة، ويقترب من مفردات مهنة ليس لها مثيل في المجتمع الغربي، ويكشف الحرمان الذي يقود فتاة عربية مطلقة إلى التحرش بشاب مراهق، في محاولة من جانبها للالتفاف حول أشكال القهر الاجتماعي، والعادات الصارمة التي تعانيها المرأة في ظل مجتمع مغلق ومُكبل بالقيود. وهي الحالة التي نجح طاقم العمل، خصوصاً من الممثلين: أمينة القفاص، بسام سبت وسُدابة خليفة، في تجسيدها ببراعة ومصداقية. تتراجع جرعة الإثارة والجرأة في فيلم «زينب» لكن مصداقيته، التي استمدها من نص أدبي مُلم بتفاصيل البيئة، وكاميرا ترصد أماكن في البحرين لا تراها الأعين كثيراً، وموسيقى ذات علاقة وثيقة بالبيئة، بالإضافة إلى الأداء التمثيلي الدافئ من: أحلام محمد، يارا المالكي، زهراء حسين، شمس، علي حسن عبد الله وحسن عبد الله، منحته خصوصية سينمائية فضلاً عن حسه الإنساني المرهف المتمثل في الأم التي ترى الدنيا من ـ وفي ـ عيني ابنتها «زينب» ضعيفة النظر، وعندما امتلكت النظارة التي تعينها على الرؤية ماتت الأم، بينما يتجسد الحب «الأفلاطوني» في الشاب «علي» الذي لا يطمع في شيء أكثر من التطلع إلى عيني «زينب»، والتمتع بالاقتراب منها.تجربتان واعدتان في سياق سينما بحرينية خالصة لا مكان فيها لعنصر أجنبي واحد، ومن ثم جاءت مشاركة فيلم «قوس قزح» في المسابقة الرسمية لمهرجان أبو ظبي السينمائي الثامن (23 أكتوبر - 1 نوفمبر 2014) واستحق «زينب» الدعم المالي الإنتاجي، الذي جاء ضمن مبادرة أطلقتها وزارة الثقافة البحرينية تحت عنوان «صندوق دعم الأفلام البحرينية»، وكان بمثابة تتويج للخطوات المبذولة في ما يتعلق بالاهتمام بالسينما البحرينية، والسعي إلى إثرائها بأفكار مُغرقة في المحلية، وموضوعات تنطق بالصدق، ولا يغيب عنها الانحياز إلى الناس، بغير تصنع أو ادعاء، كما هي الحال في فيلمي «قوس قزح» و»زينب» تأليف أحمد المؤذن، الذي قدَّم صورة حقيقية للبيئة البحرينية، ومثلما أكد حضوره في المشهد الثقافي البحريني والخليجي، بمجموعاته القصصية: «أنثى لا تحب المطر» (2003)، «من غابات الأسمنت» (2006)، «رجل للبيع» (2009) و»وقت للخراب القادم» (2009)، أثبت أنه إضافة حقيقية إلى السينما البحرينية، على غرار إضافة الأديب المصري الكبير يوسف إدريس، الذي استثمرت السينما المصرية قصصه القصيرة وقدمت: «الحرام»، «النداهة»، «حادثة شرف» و»قاع المدينة»، وإن بدت الحاجة ملحة إلى الاستعانة بمبدعين آخرين يقودون السينما البحرينية إلى الأمام.