تنوي الحكومة، بحسب المعلومات المتداولة، استخدام المال العام في سوق الأوراق المالية (البورصة) عن طريق المحفظة المليارية، مثلما حصل من قبل، وذلك من أجل إنقاذ شركات خاصة كبيرة وحمايتها من الإفلاس، أو منع انخفاض معدل أرباحها تحت شعارات "حماية صغار المستثمرين" و"استقرار السوق"! وذلك بدلا من الإصلاح السياسي-الاقتصادي الشامل الذي سيترتب عليه سهولة إصلاح سوق الأوراق المالية وتخليصه من الاحتكار الجشع من جهة، ومن الفساد واستمرار وجود الشركات المتعثرة أو شبه المُفلسة والورقية من جهة أخرى.

Ad

 المفارقة أن القرار الحكومي بضخ الأموال العامة في سوق الأوراق المالية أي استخدامها في غير أغراضها من أجل إنقاذ شركات خاصة كبيرة يأتي في الوقت الذي تنوي الحكومة، كما جاء في تقرير مستشارها الاقتصادي (صندوق النقد الدولي)، الذي أشارت إليه صحيفة الراي "10 ديسمبر 2014"، القيام بالتالي: "إلغاء تدريجي للدعم الاجتماعي، والحد من الزيادة في الوظائف الحكومية، وإصلاح الرواتب التقاعدية، وتطبيق الضريبة على القيمة المضافة وهي ضريبة غير مباشرة على الدخل، ومراجعة الرسوم على الخدمات العامة"، فماذا يمكن أن يُسمّى ذلك غير أنه عدم عدالة في توزيع الثروة وانحياز في إدارة المالية العامة للدولة؟!

ومما يزيد الطين بلة أن استخدام المال العام في "البورصة" فيه شبهة تعارض مصالح وكسب غير مشروع، تحصل عادة في حالة ما إذا كان أحد متخذي القرار أو ربما جميعهم هم الذين سيستفيدون منه، وهو أمر وارد جداً وغير مستبعد هنا!

 واللافت للنظر هنا هو غياب الشفافية في كيفية إدارة الأموال العامة وطبيعة المصالح التي تخدمها، وهو الأمر الذي يتضح، على سبيل المثال لا الحصر، في تصريح وزير المالية الذي قال فيه "قمنا بدراسة تحليلية شاملة تضمنت بعض المؤشرات القياسية بنشاط السوق بعد دخول المحفظة الوطنية التي تم تأسيسها عام 2008 بعد الأزمة المالية العالمية، حيث أكدت الدراسة أن المحفظة الوطنية لعبت دورا مميزا في فترات حرجة جدا في ترسيخ دعائم الاستقرار، والثقة، وخلق التوازن عند إشاعة أجواء الهلع والهبوط غير المبرر من الناحية المهنية".

(الجريدة 4 ديسمبر 2014). ومع التحفظ على استخدام الأموال العامة في مضاربات "البورصة" ومقامراتها، كان يفترض، من باب الشفافية وعدم حجب المعلومات المتعلقة بإدارة الأموال العامة، نشر الدراسة التي يتحدث عنها الوزير كي يمكننا التأكد من مدى صحة ما قاله.

 أزمة سوق الأوراق المالية ليست أزمة فنيّة، ومن غير الجائز سياسيا معالجتها من خلال آليات يترتب عليها استخدام المال العام في غير أغراضه واستنزافه لمصلحة مجاميع تجارية، فالأزمة المالية والنقدية جزء لا يتجزأ من الأزمة الاقتصادية التي لا يمكن حلها بشكل جذري في غياب الإصلاح السياسي الجذري والشامل، فالمنظومة السياسية هي التي ترسم السياسة الاقتصادية والمالية، وتقرها، ثم تقوم بتنفيذها ومراقبتها وتقييمها.