للفن السابع دور في توجه بعض الموهوبين الكويتيين إلى التمثيل، من خلال متابعتهم لنجوم حقبة خمسينيات القرن الماضي في أفلام الأبيض والأسود.
عشق الفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا الفن منذ نعومة أظفاره من خلال الأفلام السينمائية، وقال في هذا الصدد: {كل إنسان في فترة الطفولة، يخلق الله فيه موهبة كالرسم أو التمثيل أو الموسيقى}. على شاشة بيضاء توضع فوق جدران الأمن العام في ساحة الصفاة، كانت شركة نفط الكويت تعرض أفلام الحرب العالمية الثانية وجيوش الحلفاء ليشاهد الناس انتصاراتهم على دول المحور. كذلك كانت تعرض في المكان نفسه أفلام مصرية محببة أقبل الناس على مشاهدتها بشوق وترقب كبيرين. عنتر وعبلة كان عبدالرضا في الثامنة من عمره أو أقل، في تلك الفترة، وكان يشاهد هذه الأفلام بحكم قرب منزل والده من ساحة الصفاة ووقوعه في فريج العوازم بمنطقة شرق، وقريب من فريج القناعات. لم تكن الصالات السينمائية، في تلك الفترة، قد أنشئت بعد، وكانت شركة النفط تعرض هذه الأفلام، من بينها: {عنتر وعبلة}، {غرام بثينة}، و{الفارس الأسود}. وكان الفيلم الواحد يعرض بشكل يومي لمدة شهر، ويشاهده كل أهل الكويت، الذين يتوافدون من مناطق مختلفة بينها الأحمدي والفحيحيل والفنطاس. يشير {بوعدنان} إلى أنهم كمجموعة أطفال في تلك الأيام حفظوا الفيلم، بسبب العرض المتكرر اليومي، وكانوا يجسدون في المنزل ما شاهدوه متخذين من الغترة و{السراي} أدواتهم خلف الستارة الشفافة ومؤدين أدوارهم كخيال الظل. كان عبدالرضا يقلد الأفلام المصرية بالأبيض والأسود، خصوصاً {عنتر وعبلة}، بطولة سراج منير، وكان معجباً بفيلمي {غرام وانتقام} و{انتصار الشباب}، ومغرماً بمشاهدة أفلام هندية. يتابع {بو عدنان} أنه كان يجيد حفظ حوارات الأفلام المصرية، ومن شدة حبه لـ{عنتر وعبلة} وإعجابه بشخصية {عنتر}، قدم مشهداً منه في أوبريت {بساط الفقر}، مشيراً إلى أن انطباعات الجمهور تجاه فيلم {عنتر وعبلة} اختلفت باختلاف المكان الذي كان يعرض فيه، فمثلا إذا كان المكان صاخبا يقولون {عنتر أمس أشجع من الليلة}. من المواقف الطريفة التي يتذكرها عبدالرضا، أنه في أحد الأيام في فصل الصيف الحار، أثناء عرض فيلم {عنتر وعبلة}، هبت عاصفة قوية من الغبار، فطارت معها الشاشة، وهي عبارة عن قطعة من القماش الأبيض، فقال الجمهور الحاضر {طار عنتر}. بداية حقيقية برزت موهبة الفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا في المسرح المدرسي وفرقة الكشافة عام 1954، عندما قدّم حفلات سمر وتمثيليات قصيرة، ولم ينس فضل أستاذ مادتي الجغرافيا والتاريخ عبدالعزيز الحسيني في تعلمه التمثيل. تعود ذاكرة {بوعدنان} إلى تلك المرحلة، عندما طلب ناظر المدرسة صالح عبدالملك من الحسيني تقديم عمل مسرحي مدته نصف ساعة لإحدى المناسبات، فاختار نصاً من التاريخ الإسلامي بعنوان {عدالة عمر بن الخطاب} رضي الله عنه، وأدى عبدالرضا شخصية {عمر}، فوقف للمرة الأولى على خشبة المسرح، وأدى عبدالوهاب سلطان دور {الإعرابي}، وخالد البابطين {أسماء بنت أبي بكر}، وقد حضرها المرحوم الشيخ عبدالله الجابر. يقول عبدالرضا عن هذا العرض: {لدى فتح الستارة شاهدنا الجمهور فأصبنا بالرهبة، لكنني بادرت بحواري وقلت السلام عليك أيها الإعرابي، فلم يرد عبدالوهاب سلطان علي، وحاولت مرة أخرى، ولم يقل حواره، تضايق الناظر، فاغلق الحسيني الستارة، لينهال علينا ضرباً، وطبعاً سمع الحضور أصواتنا، ثم فتحت الستارة مرة أخرى وكان سلطان يبكي، فقال الجمهور الإعرابي (طقوه). ويذكر أنه شكل ثنائياً مع عبدالوهاب سلطان في تقديم حفلات السمر في الكشافة أو النشاط المدرسي. زكي طليمات يعتبر الفنان عبدالحسين عبدالرضا الرائد المسرحي المصري زكي طليمات معلمه الأول في المسرح، واصفاً إياه بالعسكري في شغله، وهو صادق ومخلص، لا يجامل البتة، ويعلق بسخرية على الممثل إذا لم يؤد دوره على أكمل وجه. يذكر «بوعدنان» أن للفنان الرائد الشامل حمد الرجيب فضلاً على الحركة المسرحية في الكويت، في بدايتها الصحيحة وبالأسس المسرحية السليمة، عندما أقنع طليمات بالمجيء إلى الكويت لتأسيس فرقة مسرحية شبه قومية أو حكومية. وكانت الكويت، في ذلك الوقت، تشهد نشاطاً قليلاً من خلال «فرقة المسرح الشعبي»، وكانت تقدم نصوصاً ارتجالية غير مكتوبة، فجاء طليمات وقدم المسرح على أصوله وقواعده، من خلال تأسيس أول فرقة، وهو صاحب فضل في إبراز ابداعات فناني الكويت، وقدم معه عبدالرضا، على مدى خمس سنوات، مسرحيات بالعربية الفصحى، ثم انتقلت الفرقة إلى تقديم مسرحيات باللهجة الكويتية. حول هذه المرحلة المهمة ومشاركته في تأسيس المسرح العربي عام 1961، يوضح عبدالرضا أن المتقدمين للفرقة بلغوا 400 شخص، اختار طليمات 35 فقط، من بينهم: عبدالرضا، سعد الفرج، خالد النفيسي، عبدالرحمن الضويحي، مريم الصالح، مريم الغضبان، غانم الصالح وحسين الصالح الدوسري. بدأ المسرح مع طليمات من خلال باكورة أعمال الفرقة {صقر قريش} (1962)، إذ تم اختيار عبدالرضا مع مجموعة من الشباب الموهوبين لتقديم المسرحية، وفضل طليمات أن يكون لكل دور ممثلان، أحدهما أساسي، والآخر بديل، رغبة منه في تأهيل أكبر عدد ممكن من أعضاء الفرقة فنياً، وتحسباً لأي طارئ قد يحدث أثناء العرض، وخلال التدريبات اليومية على خشبة المسرح على مدى ساعات طويلة، كان كل ممثل في الفرقة يبذل جهده ليحوز على رضا طليمات، فيختاره ضمن الممثلين الأساسيين في العرض، وكان عبدالرضا بديلاً لزميله عدنان حسين الذي يؤدي دور {المشعوذ} في المسرحية. يقول {بوعدنان}: {استمرت بروفات المسرحية نحو ستة أشهر، ولسوء حظي أن الممثل الأساسي عدنان حسين لم يغب عن التدريبات يوماً واحداً، وللأمانة كان ممثلاً جيداً وخفيف الدم، وكنت أحلم بأن تأتي فرصة لأقف على خشبة المسرح أمام الأستاذ زكي طليمات، لعل وعسى أنال إعجابه، ويقتنع بقدراتي وامكاناتي، ويمنحني فرصة، لكن للأسف لم يحدث ذلك}.
توابل
عبدالحسين عبدالرضا: للرجيب فضل على الحركة المسرحية
18-06-2015